بلدي نيوز - راني جابر (المحلل العسكري لموقع بلدي نيوز)
مطار حميميم الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى قاعدة روسية على ضفاف البحر المتوسط، لن يكون الوحيد لفترة طويلة، فروسيا التي حلمت منذ قرون بمياه المتوسط تحصل الآن على أكثر من موطئ قدم على ضفافه، ويبدوا أنها لم تعد تكتفي بالمياه الدافئة بل طفقت تسعى نحو "الرمال الدافئة".
وبحسب الكثير من المصادر والتسريبات، بدأت روسيا بتجهيز مطاري الشعيرات والتيفور في ريف حمص، ليكونا قاعدتين جديدتين لها في وسط سوريا، إضافة للقاعدة السابقة التي تمتلكها في مطار حميمم.
ليس من المستغرب اختيار هذين المطارين تحديداً لعدة أسباب منها الاستراتيجي المرتبط بالوضع الدولي ككل، ومنها التكتيكي المرتبط بطبيعة عمليات روسيا في سوريا بشكل عام.
ففضلاً عن بعد هذين المطارين عن الحدود التركية على عكس مطار حميميم الواقع على مرمى حجر منها، فهما يعطيانها عمقاً استراتيجيا ً يفتقده حميميم، ما يرفع قدرة روسيا على الاستجابة ويحسن وضعها العسكري في سوريا ضد تركيا خصوصاً وضد خصوم الأسد ككل.
حيث يقع المطاران في قلب سوريا بما تحتويه الكلمة من معنى وتساعد السيطرة عليهما على تنفيذ الضربات الجوية بكفاءة أعلى وتكلفة أقل تجاه وسط وجنوب سوريا، وقد تعني التحضير لعملية عسكرية في دمشق وريفها، وربما باتجاه تدمر التي تبعد أقل من 150 كم عن المطارين اللذين تسعى روسيا للانتشار فيهما.
تساعد البيئة شبه الصحراوية حول المطارين في الدفاع عنهما ورصدهما بشكل دائم، باستخدام الطائرات بدون طيار والأقمار الاصطناعية، ما يصعب أي عمليات كبيرة ضدهما، ويكاد يكون من شبه المستحيل حصارهما.
إضافة للطبيعة الديموغرافية للمنطقة التي تعتبر موالية للنظام، والتي تساعد على تأمين عمق للمطارين وإمداد مادي وبشري.
قربهما من خطوط معارك مصيرية بالنسبة للنظام يعطيهما ميزة استخدام الحوامات وطائرات الإسناد الناري المباشر، المهمة جداً في معارك ريف حمص فضلاً عن القاذفات التكتيكية.
كذلك تعطي هذه المطارات إمكانية تأمين التغطية النارية بالمدفعية والمدفعية الصاروخية لنطاق يصل حتى 90 كم حول المطارين، ما يعني معظم المناطق المهمة والمؤثرة في بادية حمص وصولاً حتى شمالي ريف دمشق.
منطقة مركزية
في حال حدث تقسيم لسوريا فسترسم الحدود بحكم الأمر الواقع وليس التوزع الديموغرافي، أو حتى بناء على رغبة السكان، فمن يسيطر على المنطقة هو من يحدد تبعيتها وليس أي شيء أخر، لذلك فمن يقف وراء الأسد يسعى للحفاظ على هذه المنطقة المهمة الممتدة بين حمص وتدمر و"التنف" لاحقاً، لما تمثله من طريق بري مع العراق، فضلاً عن أهميتها الاستراتيجية الكبيرة لضمان اتصال الساحل بدمشق وحلب فهي تحكم الطريق الواصل بينها.
الأسد والذي يسعى كي ينهي أي وجود للثوار في حمص، سيستفيد من هاتين القاعدتين بشكل مهم، فهما ستعقدان الحسابات الدولية حول الحل "العسكري" في سوريا، فأي قوة تدعم الثوار ستفكر مطولاً قبل دعمهم للهجوم على قاعدة تابعة "لروسيا".
ما يعني تعقيد المشهد العسكري أكثر وزيادة العراقيل أمام أي دعم مباشر للثوار، خصوصاً إذا نشرت فيهما أي منظومات دفاع جوي بعيدة المدى، فهي كافية لتجبر أي طرف يفكر بضربات جوية ضد النظام وميليشياته على إعادة حساباته أو الدخول في مواجهة مباشرة ضد روسيا.
ثروة باطنية
عدا عن الأهمية العسكرية والاستراتيجية، تشرف هذه المطارات على مجموعة مناطق وحقول ثروات باطنية كالغاز والفوسفات من مناجم خنيفيس، والتي تهم روسيا جداً وتسعى لإبقائها ضمن النطاق المسيطر عليه في حصتها من سوريا.
لا يبدو أن روسيا ستقف عند هذا الحد بل ستتوسع أكثر وتسيطر على مجموعة أخرى من "المطارات" تحديداً، فعلى عكس أمريكا التي تورطت في العراق، يبدو أن روسيا تتحرك بحذر في سوريا لأسباب كثيرة، منها عدم الرغبة بتكرار الدرس الأفغاني بنشر قوات كبيرة على الأرض وربما لأسباب تتعلق بتمويل الحملة خاصتها في سوريا.
إضافة لإدراكها بهشاشة وضع قاعدتها العسكرية في مطار حميميم، والتي على الرغم من كونها مركز الثقل الروسي في سوريا، لكنها فعلياً قاعدة عسكرية هشة، وطائراتها المصفوفة في العراء تعتبر وجبة شهية لأي منظومة مدفعية صاروخية.
في حين تمتلك المطارات التي تسعى روسيا لتشغيلها بنية تحتية تسمح بتشغيلها بشكل أفضل من مطار حميميم، وأهمها هو ملاجئ الطائرات التي تؤمن الحماية للطائرات من القصف المدفعي والصاروخي، عدا عن كونها أساساً تحتوي أسراب طائرات سوخوي 24، التي استجلبت روسيا بعضها ضمن القاذفات التي نشرتها في سوريا.
قد تكون هاتان القاعدتان سبباً مباشراً في حصول الثوار على شكل ما من أشكال الدعم ، ففي الحرب السورية لا يوجد شيء من دون مقابل، وربما بعد أن تبدأ الطائرات الروسية بالإقلاع من هذين المطارين سنسمع بدفعات دعم جديدة تصل للثوار، تحافظ على حالة "التوازن" في الملعب السوري المفتوح على جميع اللاعبين.
لماذا لجأت روسيا إلى تجهيز مطاري الشعيرات والتيفور بحمص؟
الأربعاء : 16 ديسمبر 2015
