الغوطة تكسر ثالوث الإرهاب الدولي - It's Over 9000!

الغوطة تكسر ثالوث الإرهاب الدولي

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)

في خضم الاستخدام غير المشروع للقوة, يبرز ثالوث الإرهاب الدولي "روسيا وإيران ونظام الأسد" في احتراف الجريمة المنظمة ضد الشعب السوري, وجميعها تتسابق في صفة إرهاب الدولة المقترف ودوافعه وأهدافه وأدواته.

وعلى ذات المشهد الدراماتيكي العنيف، تعاظم العدوان على الغوطة الشرقية في محاولة فرض إرادتهم وسيطرتهم على ما تبقى من مناطق محررة، بعد أن أجبرت جميع فصائل المعارضة السورية على اتخاذ وضع الحياد، أو تآكلها بالاقتتال الداخلي, بينما يوسع ذلك الثالوث نفوذه من يوم لآخر, رغم السجال الدائر في الأمم المتحدة خلال سبع سنوات من الحرب التي خلفت خسائر بشرية ومادية فادحة, وسط خذلان المجتمع الدولي للأطفال والنساء الذين قضوا بسلاح الأسد الكيماوي أمام مرأى العالم المتفرج على المذبحة السورية.

الغوطة الشرقية في مواجهة الإرهاب الدولي

تواجه الغوطة الشرقية, مرتكزات إيديولوجية متفاوتة بين الروس وأحلافهم من الإيرانيين وقوات الأسد, تستند على موروث إرهابي يتداخل فيه التنافس السياسي الدولي في إعادة بناء القوة الروسية على جماجم الأطفال, وأخرى تاريخية تحمل غريزة الانتقام الفارسي, ونظام تمثله عائلة الأسد التي لا هدف لها سوى قتل السوريين لأجل البقاء على كرسي السلطة بمرتكزاته الإيرانية والروسية.

في المعركة الجارية يستجمع الروس قوتهم الحاسمة بهدف إبادة أهالي الغوطة بعد أن أفرغت القرار الأممي الأخير من مضامينه وحولته إلى أهزوجة في الأمم المتحدة, لصياغة التوازن السياسي والعسكري في المشهد السوري بعد أن ثبّت أضرابهم الأميركان سيطرتهم على منطقة شرقي الفرات الغنية بالثروات الاقتصادية, فكانت القنابل التي تلقيها الطائرات الروسية على أهالي الغوطة هي الرد الحقيقي لبناء توازن جيو- استراتيجي بالاستحواذ على باقي الجغرافية السورية غربي الفرات وصولا إلى البحر المتوسط فالحدود الفلسطينية المحتلة والأردنية, مما يتيح لها السيطرة على العاصمة دمشق, والتحكم بقرار بيروت وبغداد, ولابتزاز الدول المحيطة وفي مقدمتها إسرائيل. 

 وإذا أدرت العدسة حول الغوطة تشاهد جحافل الميليشيات الشيعية الإيرانية تحيط بالغوطة الشرقية من كل جوانبها, وجوقة من الملالي تستذكر لعناصرها البرابرة, خطابا تعبويا باعثا للروح الانتقامية من "النواصب" حفدة الأمويين, الذين حكموا فارس لعدة قرون, وأطاح أسلافهم بالإمبراطورية الفارسية, ومجاميع شيعية خلفية تحتل أحياء العاصمة دمشق وتمارس العنف ضد أنفسها كطقس فارسي يبررونه على أنه سلوك تعبدي, وبين هذا وذاك يبررون كل أفعالهم الإرهابية بوصفهم أهالي الغوطة المعارضين للأسد بالتكفيريين.  

في معركة دمشق الأخيرة, تلاقت طموحات الروس السياسية مع الأفكار الإيرانية المؤدلجة, التي تعلي من أهمية نهج الحليفين لتحقيق الأهداف والغايات أكثر من أي وقت مضى, رغم أن روسيا أوحت من خلال تلميعها أسماء ضباط سوريين لاقتحام الغوطة, فإن الميليشيات الإيرانية هي عماد القوة المهاجمة باعتبار طهران لا تؤمن بالحل السياسي ويتوقف وجودها في سوريا على خيار الحسم العسكري, وهي نقطة تلاقيها مع الروس الذين أفشلوا سياسيا في "آستانة وسوتشي".

مثلت المعركة الجارية في الغوطة الشرقية استمرارا للنهج الإرهابي للروس والإيرانيين بعد أن ألقى الروس بكل ثقلهم العسكري والسياسي في أتون حرب غير متكافئة في قوة المعتدي وتكتيك المدافع, يساندهم الإيرانيون بوصفهم أصحاب تجربة في المشاركة بالقوة القاهرة في قضم ما تبقى من المناطق السورية المحررة الواقعة ضمن دوائر الاهتمام الدولي, لفرض واقع ميداني يعيدها إلى عواصم القرار العالمي في كل ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وبالأخص الملف النووي الذي تلوح الولايات المتحدة بإعادة النظر في بنوده. وبالتالي لا خيار أمام إيران وروسيا سوى الدفع باتجاه التصعيد العسكري بعد تمزيق القرار الأممي الأخير ورميه في سلة القمامة الخاصة بالأمين العام للأمم المتحدة.

هزالة الأمم المتحدة وتقييد مجلس الأمن

فشلت الأمم المتحدة طوال سنوات الحرب السورية في تقديم خطة سياسية تعالج القضية السورية, واكتفت باستعراض القوة والمشادات الدبلوماسية الفارغة, بنجومها الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين, بينما كانت مهمة الممثل الروسي رفع يده إلى أعلى لتعطيل أي قرار دولي متعلق بسورية, حتى على المستوى الإنساني وبالأخص تقديم المساعدة للمدنيين في ظروف الحرب القائمة, الأمر الذي حول الأمم المتحدة  إلى ما يشبه بعض "مقاهي الشرق" القائمة على الهرج والمرج.

ومع كل مرحلة عنف جارفة يرتكبها الروس وحلفاؤهم، تتداعى الأمم  المتحدة بمجلس أمنها للاجتماع والتداول بشأن القضية السورية, فيبتكر الروس ومعهم الصينيون أداة جديدة لتعطيل أي قرار دولي في قضية تعتبر من أبرز القضايا الدولية تعقيدا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية, والتي تواجه المنظمة الدولية, وتنتقل بها من فشل إلى آخر, دون القيام بتقديم أية مبادرة مستقلة ما عدا صدور بعض التوصيات والقرارات الرمادية غير الملزمة من ناحية, والمجهضة بالفيتو الروسي من ناحية أخرى. 

2401 قرار ليس للتطبيق

في الوقت الذي كانت تتجه فيه أنظار العالم إلى قاعة المنظمة الدولية للتداول بنتائج المقترح الذي تقدمت به مملكة السويد ودولة الكويت, لوقف مذبحة الغوطة، واصلت روسيا حملتها الهمجية ضد المدنيين, وسط استجداء موسكو بالسماح لإدخال مساعدات إنسانية لمحاصري الغوطة, وبعد مداولات أجلت لليوم التالي ارتخت اليد الروسية المرفوعة لتوافق على القرار الأممي 2401, بعد أن تبنت تفسيرا ملائما لها لتطهير العاصمة دمشق من فصائل الثورة, وهذا ما دعا وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف لإعلانه أن قرار مجلس الأمن لا يشمل جيش الإسلام وحركة أحرار الشام المصنفين روسياً كمنظمات إرهابية, كما أشار إلى سحب الاعتراف من بعض فصائل الثورة العسكرية المشاركة في "آستانة" كفيلق الشام وغيره. مما يشي أن القرار الروسي هو اجتياح الغوطة الشرقية, وضرب القرار الدولي بوجوه أقرانه الدوليين.

موسكو بكل صفاقة تستهزئ بالعالم وبالقرار الدولي, إذ يعلن بوتين مكرمة إنسانية مدتها خمس ساعات في اليوم لتهجير المدنيين من الغوطة الشرقية مع منح جواز اختراق الميليشيات الإيرانية للمكرمة الممنوحة, فيما تواصل موسكو القتل اليومي بما تبقى من ساعات اليوم الواحد.

وقد سبق واستخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) لمنع صدور تسعة قرارات, فقط في عام ٢٠١٧م, لمجلس الأمن تدين فيها جرائم نظام الأسد ضد الشعب السوري, وفيما يلي نورد أهمها:

- 28 فبراير/شباط 2017: استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد مشروع قرار لمجلس الأمن بفرض عقوبات على  النظام السوري لاستخدام السلاح الكيميائي، وهو مشروع رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه "غير ملائم".

- 12 أبريل/نيسان2017: استخدمت روسيا حق النقض ضد مشروع قرار أميركي بريطاني فرنسي مشترك بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، ولاسيما الهجوم الذي وقع في خان شيخون، وأيدت مشروع القرار 11 دولة وامتنعت الصين وإثيوبيا وكازاخستان عن التصويت.

- 24 أكتوبر/تشرين الأول 2017: موسكو تستخدم مجددا حق النقض في مجلس الأمن الدولي لتحبط مشروع قرار أميركي يدعو إلى تجديد تفويض آلية تحقيق دولية مشتركة في الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا.

وأيدت 11 من الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن مشروع القرار، وامتنعت الصين عن التصويت، في حين استخدمت روسيا الفيتو بعد رفض طلبها بتأجيل التصويت، وأيدتها بوليفيا في موقفها.

ويأتي مقترح المشروع الأميركي الذي أحبطته موسكو تمديد مهمة التحقيق المشتركة التي تشارك فيها الأمم المتحدة ومنظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية لمدة سنة أخرى.

معركة الغوطة وملامح هزيمة الروس وحلفائهم

سياسياً

اتفقت روسيا ومعها إيران على استنساخ استراتيجية تجربة احتلال مدينة حلب بالتركيز على قصف المدنيين بأسراب الطائرات الروسية المتلاحقة وتلك التابعة لنظام الأسد تزامنا مع اشتباكات مستمرة تقودها الميليشيات الإيرانية, باتباع أسلوب الموجات البشرية التي اتبعتها إيران في حربها ضد العراق في ثمانينات القرن الماضي, مما يشكل تهديدا دائما بالموت والدمار لأكثر من 400 ألف من أهالي الغوطة الشرقية في عملية قهر مقصودة لإبادة يومية لمئات المدنيين وتدمير مستلزمات الحياة اليومية من  مناهل الماء الصالح للشرب ومخازن الأغذية والمشافي وطرق الإمداد الداخلية والملاجئ، مما يخلق عامل هزيمة نفسي للمدنيين تنتقل عدواه إلى فصائل الثورة للقبول بالهزيمة والاستسلام.

استوعبت القوى الثورية الناشطة في الغوطة الشرقية المبتغى من الضغط النفسي الذي تريد موسكو فرضه, وسحباً لذريعتها في العدوان, أكّدت تلك القوى استعدادها لإخلاء مقاتلي "هيئة تحرير الشام" وعائلاتهم من المنطقة بعد 15 يوماً من دخول وقف النار الذي أعلنه مجلس الأمن الدولي حيز التنفيذ الفعلي.

وفي بيان مشترك وجهته إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أعلنت فصائل "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" و"حركة أحرار الشام الإسلامية"، "الالتزام التام بإخراج مسلحي تنظيم هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة والقاعدة, وكل من ينتمي لهم وذويهم من الغوطة خلال 15 يوماً, من بدء دخول وقف النار حيز التنفيذ الفعلي, واقترحت الفصائل أن يجري ذلك وفق آلية يتم الاتفاق عليها خلال الفترة نفسها، وبالتعاون مع مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية", فجاء الرد الروسي: "نستبعد إمكانية نجاح مبادرة المجموعات المتمردة في الغوطة الشرقية والتي اقترحت إخراج مقاتلي تنظيم جبهة النصرة الإرهابية من المنطقة خلال خمسة عشر يوماً، لقد انتهت المهل التي قدمتها موسكو مسبقاً".

من هنا يتضح جليا لدول العالم الفاعلة, رفض روسيا لأي تسوية سياسية تتناقض مع استراتيجيتها الهادفة إلى ترسيخ احتلالها لسوريا, وتنبهت القوى الثورية بكافة أشكالها المدنية والعسكرية للفخ الروسي, مما جنبهم عمليا الانجرار وراء ما تريده القوى المعادية من خلال تجنب البروباغندا الإعلامية التي تبث روح الهزيمة في النفوس, فالغوطة لها خصوصية مختلفة عن باقي المناطق السورية التي تعرضت لذات الأسلوب الممنهج في العدوان, فهي محاصرة منذ خمس سنوات, وعلى ثراها اقترف الأسد أبشع جريمة عند استخدامه الكيماوي عام 2013م بهدف الإبادة, ولم تتوقف سلسلة جرائمه عند هذا الحد ضد المدنيين، فأعاد الإعلام الثوري, الأسد إلى الواجهة الدولية, كمجرم حرب من خلال استمراره قصف المدنيين في الغوطة بكافة أنواع الأسلحة, وفي مقدمتها غاز الكلور.

عسكرياً

نجحت فصائل الثورة في الغوطة الشرقية أمام اندفاعة الميليشيات الإيرانية والحملة الجوية الروسية الشرسة من إغلاق الفجوات التي يعتزم المعتدون إحداثها بين مدن وبلدات الغوطة لإيجاد ثغرات على شكل ألسنة ممتدة تفضي إلى تطويقها وإحكام السيطرة عليها, بعد أن شنت هجوما منظما من محورين: الأول محور المرج في محاولة لاستكمال السيطرة على بساتين الغوطة التي تعد السلة الغذائية لأهالي الغوطة, والثاني هجوم على كافة أحياء المدن, وبالأخص على دوما, ومنطقة المشافي القريبة من الطريق الدولي, وبعد أن تمكنت فصائل الثورة من تثبيت مواقعها اتجهت إلى شن هجمات خاطفة كما فعل جيش الإسلام في هجومه على منطقة المشافي القريبة من الطريق الدولي, أو فيلق الرحمن على محور جبهة عربين.

لتجري معركة الغوطة الشرقية وفق خطط وآليات فرضتها الأحداث العسكرية على فصائل الثورة المسلحة التي تحولت من وضعية الدفاع إلى الهجوم وتطويره, واتجهت في مناطق التماس مع العدو إلى اعتماد استراتيجية استخدام الألغام الأرضية لدعم الدفاع عن النقاط الرئيسية, كخط دفاعي أول لإعاقة أي هجوم بري, وأي مناطق تتيح طبيعتها العسكرية عمل رأس جسر من ميليشيات إيران المتدفقة على الغوطة, فيما يستعد النسق الثاني للفصائل لحرب الشوارع تدعمه إمكانيات بشرية ومهارات قتالية نوعية عند فصائل الغوطة, لا تتوفر لدى الميليشيات والمرتزقة والشبيحة حديثي الالتحاق بمعركة كبيرة, كما أن المشهد الميداني يبين القدرات العسكرية الفائقة لدى جيش الإسلام وفيلق الرحمن وباقي الفصائل الأخرى التي تمكنت من صد أعتى محاولات الاقتحام الأولى للميليشيات الشيعية الإيرانية وتلك التابعة للأسد, وبثت وكالات الإعلام الدولية الهزائم المتتالية للقوى المعتدية, وأظهرت حجم خسائره البشرية, والأسرى الذين يعدون بالعشرات وهم يطالبون أقرانهم بالتوقف عن العدوان ومبادلتهم بالمعتقلين المدنيين القابعين منذ سنوات في سجون الأسد.

يذكر أن أكثر من 300 عنصر وضابط من قوات الأسد وميليشياته قتلوا وجرحوا في آخر هجوم لهم على جبهات الغوطة الشرقية، بينهم قائد الحملة وهو برتبة عميد ركن، وثلاثة قياديين من ميليشيا "النمر" وثلاثة ضباط من الحرس الجمهوري، إضافة إلى أسر 14 عنصراً من قوات الحرس الجمهوري، فضلاً عن تدمير  عدد من دبابات النظام واغتنام عدد منها، وكذلك تدمير العربة الجسرية الروسية MT55.

وحده جيش الإسلام العامل في الغوطة الشرقية أعلن مقتل أكثر من70  عنصراً لقوات نظام الأسد على جبهة حوش الضواهرة بريف دمشق في الأيام القليلة الماضية، وذلك خلال محاولات الأخيرة الفاشلة بالتقدم على تلك الجبهة.

يشار إلى أن صفحات موالية قد وثّقت، في يوم واحد, مقتل 33 عنصراً بينهم 16 ضابطاً بين "ملازم ونقيب"، قتلوا خلال محاولتهم التقدم على جبهات الغوطة الشرقية بريف العاصمة دمشق.

وباستقراء مجريات الأحداث تظهر لمتابع الشأن السوري ملامح انكسار العدوان الروسي أمام عزيمة وتصميم أهل الغوطة الشرقية في مواجهة ثالوث الإرهاب الدولي، الروسي الإيراني الأسدي.

مقالات ذات صلة

شركات الأمبيرات تستبدل الفواتير بقصاصات ورقية يغيب عنها سعر الكيلو

الأخطاء الطبية في مناطق النظام تودي بحياة العشرات ولا إجراءات رادعة

حواجز أمنية في ريف دمشق ترفع سقف الإتاوات خلال شهر رمضان

ريف دمشق.. لصوص يسرقون أمراس كهرباء قيمتها 8 مليارات ليرة سورية

"جعجع" يكشف سبب طلب نظام الأسد من لبنان تفكيك أبراج المراقبة على الحدود

إجراءات حازمة للحد من تجاوزات الزوار الشيعة العراقيين إلى بعض المراقد في دمشق وريفها