هل تستنسخ روسيا المحرقة الشيشانية في إدلب؟ - It's Over 9000!

هل تستنسخ روسيا المحرقة الشيشانية في إدلب؟

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)

قبل الدخول في عمق الملف، لابد من نقل صورة المحرقة الجارية في منطقة ريف إدلب الجنوبي والشرقي، سرب طائرات روسية مختلفة الأنواع، وسرب آخر من الطائرات الحوامة تحمل حاويات متفجرة، وطائرة سوخوي22، و ميغ 23، وأربع راجمات صواريخ تقصف بشكل مستمر، وقبل أن تغادر تلك الطائرات، تدخل مكانها، طائرات بذات العدد أو أكثر، تفرغ حمولتها بشكل عشوائي على منطقة جبل الزاوية، والمنطقة الواقعة بين أوتستراد حلب - دمشق، وسكة حديد الحجاز، والممتدة من أم جلال جنوبا ولغاية بلدة جزرايا شمالا.

في هذه المنطقة، لا يُسمع سوى صوت الانفجارات المرعبة، المقترنة بالحرائق التي تلتهم البلدات والقرى، ودوي صفارات الإنذار والإسعاف تتخللها صرخات الأطفال والنساء، وعندما تزول الشمس، يغيب الطيران قليلا، ليجد الناس فرصة، لدفن شهدائهم في مقابر جماعية، والأكثر دهشة هو التغير المستمر لمعالم القرى والبلدات، فهناك حارات كاملة سويت بالأرض، وأخرى أخذت أشكالا هندسية مختلفة. فليست الاستراتيجية التي يتبعها العدو الروسي، تعني سياسة الأرض المحروقة وحسب، إنما هي دمار شامل لحركة الحياة، المستهدف فيها البشر. ويجري كل ذلك لتمكين روسيا ومن يجري في أفلاكها من الميليشيات المحلية وتلك التابعة لإيران من فرض نفوذها على هذه المنطقة بما تملك من قدرات مالية وعسكرية وتقنية وتأثير سياسي قوي على جعل هذا التدخل يجري بشكل واسع وسريع، بحيث يضمن في النهاية المصالح الروسية.

يناقش هذا الملف المعارك الدائرة في ريف ادلب الجنوبي والشرقي، بين فصائل المعارضة السورية المسلحة من جهة، وبين القوات الخاصة الروسية وميليشيات قوات النظام والميليشيات الطائفية الإيرانية من جهة أخرى، في إطار المعارك الناشبة في الشمال السوري.

ثم يتناول الملف بالتحليل جوانب هذه المعركة، وآفاقها المحتملة اعتمادا على توجه عجلة المعارك ومحركاتها الدافعة، كما لو أنها تجري بتوافق أطراف النزاع المحلية والإقليمية، وفق سيناريو منظم أعده وينفذه راعي آستانة والجوقة التي توافقه رغبة ورهبة.

محاور المعارك

حقق الطيران الروسي قدرة فائقة في عملية التدمير الممنهجة للبلدات والقرى الواقعة في ريف إدلب الجنوبي والشرقي، مما سمح لقوات النظام بالتقدم على حساب فصائل المعارضة السورية، مع استمرار حركة نزوح السكان من المنطقة، وتمكنت من التوغل في عمق المناطق الإدارية التابعة لريف معرة النعمان الشرقي، وسط اشتباكات طاحنة تدور منذ ثلاثة أسابيع، إذ تمكنت قوات النظام من تحقيق تقدم جديد والسيطرة على عدد من القرى والمزارع الصغيرة في ريف إدلب الشرقي، وما زالت العمليات العسكرية مستمرة لاستعادتها.

ويتزامن الهجوم الحاصل مع قصف جوي مكثف من الطيران الروسي بكافة أشكاله، وذاك التابع لنظام الأسد، الذي استهدف (سراقب، وجزرايا، ومحاريم، والذهيبة، وكفرنبل، وقطرة، والبرسة، وحاس، ومعرزيتا، ومعرة الصين، وكفرروما، وكرسعة، وحزارين، وكنصفرة، وكفر شلايا، وإحسم، ومحمبل، وفركيا، والفطيرة، ومعرة ماتر، وجبالا، وأورم الجوز، وجبل الأربعين، وبزابور، وحنتوتين، وصهيان، والتح، وحران، والدار الكبيرة، والشيخ إدريس، وريان، ومعر شورين، وتل منس، وجبل الدويلة، والشيخ بحر).

تجري المعارك عبر محورين الأول: المنطقة الواقعة بين أم جلال والتينة، تمكنت القوات المهاجمة من السيطرة على بعض القرى المتناثرة حول هذا المحور كـ"المشيرفة والزرزور"،  والمحور الثاني: سنجار، وجرت على هذا المحور معارك عنيفة، حيث تمكنت فصائل المعارضة، مساء الأحد الماضي، من تدمير غرفة عمليات قوات النظام التي تدير منها عملياتها بريف إدلب الشرقي بالتشارك مع القوات الروسية والإيرانية في بلدة سنجار جنوب مدينة أبو الظهور بريف إدلب الشرقي.

أهداف المعارك

لم تتوقف الحملة الجوية الروسية المساندة للميليشيات المتعددة الجنسيات منذ تدخلها العسكري المباشر في سوريا، بهدف تنفيذ اتفاقية "سوتشي"، بدعوى تنظيف هذه المنطقة من "الإرهاب" يدفعهم سباق متسارع لحسم الحرب عسكريا، باعتبارها خيار روسيا العلني في وأد الثورة السورية، تزامنا مع ملهاة اللجنة الدستورية والخلل الواضح في موازين القوة، مما جعل روسيا وحلفاءها يستثمرون أوراق "سوتشي" بعملية عسكرية واسعة يرسم مسارها أسلحة الدمار الشامل في استعجال واضح لجر الجميع إلى حظيرة الأسد، وفرض تسوية سياسية على مقاس الروس قبل استكمال ما يلوح في الأفق من مقاربات المجتمع الدولي والقوى الدولية المؤثرة في الحرب السورية، في سباق متسارع لاقتسام النفوذ، ومهما تباينت التحليلات، فإن مجمل المعطيات تدل على أن المنطقة الواقعة بين الطريق الدولي "m4،  m5" وسكة حديد الحجاز، وقعت ضحية التلاعب الروسي بمخرجات آستانة و"سوتشي" لاحقا، وبتواطؤ علني من الضامنين، ومن قوى الثورة الموقعة على الاتفاق، والذي استجابت لتنفيذه كافة أطراف الصراع على الأرض، مخلفة أوضاع كارثية على سكان المنطقة الذين وقعوا بين خيار القتل، أو التهجير القسري.

الهدف المرحلي

الواضح في المشهد الآن، أن روسيا تعتمد استراتيجية فعالة في قضم المناطق المحررة، حيث تنتهج جملة من الضغوطات لتقييد قدرة فصائل المعارضة على المواجهة، حيث لن تتوقف مطالب روسيا عند حدّ معيّن، بل ستتجاوزها إلى فرض مطالب جديدة تتعلق بإدارة منطقة خفض التصعيد الخاضعة لاتفاق آستانة المنهار، حيث أن هدف روسيا وقوات النظام المرحلي يشمل مراكز أربع مدن كبرى، وهي "معرة النعمان - سراقب - أريحا - جسر الشغور". وهي المدن الرئيسية الواقعة على الطرق الدولية، ولأجل ذلك تكثف روسيا من قصفها الجوي في محاولة قضم جديدة على غرار المناطق التي استولى عليها قوات النظام في الربيع الماضي للضغط على تركيا وفصائل المعارضة من أجل الالتزام باتفاق سوتشي والإسراع في فتح طرق الترانزيت.

وبات المشهد الميداني واضحا من خلال خط الطيران الذي قسم ريف ادلب إلى دوائر يتم تدميرها، لينتقل إلى الدائرة الأخرى بعد أن تسيطر عليها الميليشيات. ولا شك أن اتساع دائرة المعارك  باتجاه مدن وبلدات إدلب، أمر يقلق الأوروبيين خشية من موجات تهجير جديدة تدفع اللاجئين نحوها، وهذا ما أكده البيان الذي نشره مكتب رئيس الوزراء البريطاني، بعد القمة الرباعية التي جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون، على هامش قمة قادة حلف شمال الأطلسي في لندن، والذي ينص على "ضرورة وقف الهجمات ضد المدنيين في سوريا وتحديدا داخل محافظة إدلب". غير أن استراتيجية روسيا تعتمد القضم المرحلي للمناطق المحررة عبر شرعنتها بخرائط  ترسمها وتواجه منتقديها بإثبات حسن نية، ولكنها فيما بعد تتولى قيادة العمليات العسكرية لتنفيذ إحكام السيطرة على تلك المنطقة المرسومة إيذانا بتمزيقها في مرحلة قادمة بحال توافرت الظروف الدولية والإقليمية التي تتيح لها تدمير المنطقة المراد احتلالها.

 ماذا بعد؟

إن التصعيد الجديد قد يوسع دائرة الصراع في سوريا في ظل تصلب موسكو وتمسكها بالخرائط التي صيغت بدماء السوريين، وهذا بدوره يشكل غموضا لمصير ملهاة اللجنة الدستورية التي تتعاظم سياسيا في جنيف، ويبدو أنه لن تتوقف المعارك الجارية عند حدود اتفاق سوتشي المعلنة، فهناك معارك أخرى في انتظار ما تبقى من مدن وأرياف محررة لن يوقفها حل سياسي، لأن الروس يعتمدون استراتيجية إخضاع الجميع على الطريقة الشيشانية، القائمة على نهج القتل والتدمير والتهجير، تحقيقا لمكتسبات سياسية، يقف على رأسها، تثبيت بشار الأسد في موقف قوة داخلية بوصفه عميلا يتم استثماره في خدمة مصالحها.

مقالات ذات صلة

النظام يفرق بين الأقارب مستغلاً عامل الخوف من الاعتقال

كيف أحيا الشمال السوري ذكرى الثورة

منسق الأمم المتحدة الإقليمي يكشف نتائج زيارته إلى إدلب

أول اتحاد للمصممين في الشمال السوري

إحصائية جديدة بما يخص النازحين القادرين على تحمل أعباء المعيشة شمالي سوريا

لماذا ينشط سوق المستعمل في الشمال السوري؟