هل روسيا شريك في سوريا؟

أتلانتيك كانسل – (ترجمة بلدي نيوز)
يبدو أن وزير الخارجية جون كيري متأثر بشكل عميق بمعاناة الشعب السوري، والنتائج السلبية السياسية، الأمنية والاقتصادية لأصدقاء أمريكا وحلفائها في المنطقة وخارجها، ولذلك فليس من المستغرب على الإطلاق بأن يسعى لاتفاق مع روسيا في محاولة لإيجاد سبيل لإنهاء النزاع، ولكن وما هو مستغرب-من المفاجآت السارة في الواقع، بأن على موسكو تنفيذ التعهدات المتفق عليها بأمانة وإلزام عميلها السوري على التعاون، بينما أن الإدارة الأمريكية وكالعادة هي عديمة النفوذ، ويجب عليها أن تتجنب أي اتفاق لا تنوي فرضه حقاً.
ويستمر المتحدثون باسم إدارة أوباما بالإشارة إلى ما يصفونه بالتناقض الصارخ بين الهدف السوري الذي صرحت به موسكو في هزيمة تنظيم "الدولة"، وسياستها الفعلية في محاولة تعزيز التنظيم، الممكّن الأول لعميلها السوري بشار الأسد، بينما تتمثل المهمة دبلوماسية على ما يبدو، بإقناع موسكو بالطبيعة اللامنطقية لموقفها الحالي، وعلى الرغم من ذلك فإن كل الأدلة المتراكمة منذ التدخل العسكري لروسيا في 30 سبتمبر 2015 وحتى الآن، تشير إلى أن موسكو تنوي إنقاذ الأسد من خصومه الوطنيين، في حين تترك التنظيم دون المساس به: إذ أن تنظيم "الدولة"، يتميز بكونه الموازي المكافئ لما قد يوصف حتى بأنه أسوأ من القتل الجماعي لموسكو، وعميلها مجرم الحرب، إن تنظيم "الدولة" بالنسبة لكل من النظام ومؤيديه الخارجيين، بمثابة تذكرة الأسد المحتملة للعودة إلى المجتمع المتحضر.
لقد كانت أداة التمكين المهمة لاستراتيجية روسيا في سوريا، هو وجود جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، ذلك التنظيم الذي على عكس تنظيم "الدولة"، يستمر دون هوادة في محاربة نظام الأسد، في حين اتفقت واشنطن وموسكو على أن النصرة، والتي تملك وحدات منتشرة عبر الأراضي السورية في الشمال الغربي، بأنها وبحسب وصفهم (منظمة إرهابية) لن يسمح لها بالمشاركة في وقف الأعمال العدائية المتفق عليها.
إن روسيا، وبشكل مفيد لسياساتها، كانت قد استخدمت استبعاد جبهة النصرة من اتفاق وقف الأعمال العدائية، ووجودها في كل مكان بجانب الثوار، لشن هجمات جوية على الثوار السوريين الوطنيين، والذين درب بعضهم وجهزوا من قبل الولايات المتحدة، وبعضهم يقاتلون تنظيم "الدولة"، بل وقامت روسيا بشن غاراتها على المدنيين الذين يعيشون في الأحياء التي يسيطر عليها الثوار، وعندما شجبت واشنطن، كان رد موسكو بأن الأمر متروك إلى الولايات المتحدة للكشف عن المواقع التي يقع فيها كل من الأطراف في الأراضي التي لا تسيطر عليها قوات الأسد، وعلى كل حال فإن موسكو، ليست جاهلة في هذا الشأن مطلقاً، وذلك يظهر في استهداف قواتها الجوية للمدنيين في المناطق التي لا تقع تحت سيطرة النظام، كما كانت دقيقة نسبياً في ضرب مواقع لا تقع فيها جبهة النصرة، أو وحدات لتنظيم "الدولة"، بما في ذلك بعض من القوات التي تلقت الدعم من أمريكا، لا شك في أن موسكو ترغب في وجود دقة أكبر في معطيات الاستهداف، ولكن هل هي وظيفة الولايات المتحدة لتقديم المساعدة لها؟ وبعد كل شيء، ما إن يتم تقاسم تلك المعلومات الاستخبارية، فما الذي يمنع موسكو من استخدامها كلياً لصالح عميلها؟ هل هنالك أي شيء على الإطلاق في أداء سياسة الإدارة الأمريكية حتى الآن، والذي من شأنه ثني روسيا عن القيام بفعل ما تشاء تفصيلاً، وبالمعنى الكلي في الإفلات المتكرر من العقاب؟
إن جبهة النصرة وبالتأكيد على ذلك، يجب أن تكون الجهة التي لا تلعب أي دور في المستقبل السوري، لقد كان هناك وبدءاً من عام 2012، جهد كبير وفعال تقوده الولايات المتحدة في تنظيم وتدريب وتجهيز قوات الثوار السوريين، وليس جبهة النصرة أو تنظيم "الدولة" من يجب أن يسيطروا اليوم على الشمالي الغربي وشرقي سوريا.
وليس من المستغرب أن ينجذب الشبان السوريون الهادفين لمحاربة الأسد إلى جبهة النصرة، وتقديم الأسلحة والمساعدة والكثير من الذخيرة لهم، فبعد ما يقرب من أربع سنوات على قرار الإدارة الأمريكية بتجاهل توصيات كبار مسؤوليها في الأمن القومي، فإن العواقب لذلك التصرف ستكون وخيمة.
إن قادة عسكريون ومدنيون في المعارضة السورية الوطنية، يعتقدون بأنهم يستطيعون تهميش جبهة النصرة إذا ما كان اتفاق وقف الأعمال القتالية قد أخذ منحى جادا وحقيقيا، وهذا سيكون مهمة عسيرة في الواقع، إذ أن الأسد لم يقم بالالتزام بوقف إطلاق النار، واستمر بالعنف الذي لم يهدأ بالفعل في الأيام الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.

وبعد كل شيء، فبالنسبة للنظام وحلفائه، إن لم يكن وجود القوات غير النظامية، وعدم وجود القوات الروسية، والإيرانية والميليشيات الشيعية، والكردية، وغيرهم، فلن يتبقى في سوريا سوى تنظيم "الدولة" والنصرة، وكيف لأمريكا حينها والتي كرست خطابها في تدمير تنظيم القاعدة والإرهابيين، مقاومة إنشاء قضية مشتركة مع الأسد في مكافحتهم؟ أليس هدف الأسد وحلفائه الرئيسي يتجلى في تقليص الخيار السياسي في سوريا إلى نتيجة تقضي إما وجود نظام الأسد أو تنظيم القاعدة؟
لا يمكن إلقاء اللوم على جون كيري إن بدا بأنه يخوض في دبلوماسيته في بعض الأحيان لدمج عناصر غريبة مع بعضها، فإذا ما كانت هناك قوة بحرية تقوم بدوريات الآن في شرق البحر المتوسط عقب أحداث أغسطس 2013 الكيماوية الوحشية والتي تجاوزت خط الإدارة الأمريكية الأحمر، فلربما من المرجح الآن بأنه كان سيحصل على الإنصات الجدي من أولئك الذين يسعى الآن لإقناعهم بأي وسيلة كانت.
ولكن وإذا ما استطاع أن يقوم بحماية المدنيين السوريين، وبالتالي تمكين التوصل لمفاوضات حقيقية متزامنة مع الحد من وقوع كارثة إنسانية وسياسية من خلال الاعتماد بعد طول انتظار على روسيا وإيران نظراً للمسألة الأخلاقية واحترام الحياة البشرية، فإنه سيكون قد أنجز في نهاية المطاف شيئاً ما في الخيمياء الدبلوماسية، إن جون كيري يستحق فرصة حقيقية، يحتاج لنفوذ حقيقي، إذ يكمن الخطر في أن هذه الإدارة قد تريد الوصول إلى صفقة ما، إلى أي اتفاق قبل مغادرتها، وإذا ما كانت ترغب في توريث الإدارة التي تخلفها وأصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة، أي شيء آخر غير الفوضى والكوارث في سوريا وما حولها، فيجب عليها مباشرة وبسرعة التحرك نحو الشرق، لحماية المدنيين السوريين من القتل الجماعي ولهزيمة تنظيم "الدولة" بسرعة وبشكل تام.

مقالات متعلقة