الجزيرة – (ترجمة بلدي نيوز)
في عام 2009، قدّم معمّر القذافي نداءً من أجل إقامة دولة جديدة تسمى" إسراطين"، دولة واحدة تشمل على كل من إسرائيل وفلسطين، وعلى الرغم من أن مشروع الدولة لا يزال بعيداً، فإن الديكتاتور الليبي قام باقتراح ذلك الأمر.
اليوم، قد يكون هناك نوع آخر من الدمج بين دول الشرق الأوسط، ذلك الدمج الغير معلن بالتأكيد، كمؤشّر آخر على تفكك حدود سايكس بيكو السابقة وانحلالها، وقد يكون هذا الانصهار المأساوي ما بين لبنان وما يسمى بسوريا "المفيدة"، تلك الجغرافيا التي ستشمل على حلب ودمشق وساحل البحر المتوسط ومطار دمشق.
إنه الجزء الذي لا يزال تحت سيطرة نظام بشار الأسد، والذي يلتف حول لبنان وكأنه حزام واسع، وهذا ليس من قبيل المصادفة: إن ذلك الجزء يمثل منطقة أمنية واحدة يُسيطَرُ عليها فعلياً من قبل إيران وممثلها المحلي الرائد -حزب الله.
إن ما يجعل من الدمج ما بين هذين الكيانين، أمراً أكثر واقعية أيضاً هو تلك الأعداد التي لا تحصى من اللاجئين السوريين في لبنان اليوم، إذ أن تواجدهم يحقق بشكل تهكّميّ ما لا تستطيع الأحزاب السياسية الدعوة إليه كاتّحاد رسمي سوري-لبناني، إنه الدمج ما بين البلدين.
إن هؤلاء اللاجئين لن يعودوا إلى وطنهم في أي وقت قريب، وإعادة إعمار مدنهم وبلداتهم لن تكون متوفرة في أي وقت قريب كما أنها ليست في متناول اليد، في حين أن التطهير العرقي المحتم للحرب يعني أيضاً بأنهم قد لا يكونوا موضع ترحيب في المناطق التي جاءوا منها سابقاً.
وبطبيعة الحال، سيكون هناك رسمياً كل من لبنان وسوريا، إذ لن يكون هناك دمج رسمي كما دعا القذافي في إسراطين، ولكن سيكون هناك متحكّم وحيد غير رسميّ وغير مسمّى لتلك المساحة، وهي إيران والتي تمتد الآن بنفوذها من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط!
وعلى المستوى السياسي، فإن ترشيح سعد الحريري لميشيل عون، وهو مرشح حزب الله بشكل فاعلي، كرئيس للجمهورية اللبنانية يضع الختم على هذا الواقع.
لماذا ليس الروس؟ إن روسيا لديها السلطة والنفوذ ولكن ليس لديها وجود واسع ومفصّل، ولا تتلاعب بالعديد من الميليشيات، ذلك النوع من الشيعة "الدوليين" وشبكات المخابرات، الذين يقومون بشراء الأراضي وبسط نفوذهم الثقافي، ذلك الأمر الذي تملكه وتجيده طهران.
في لبنان اليوم، حزب الله يطلق سيطرته، سواء من خلال التلاعب الذكي، والتهديدات المبطنة أو الأقل تبطّناً، وقوته العسكرية المدعومة من إيران، وإخلاله بشكل أكبر بنظام معارضيه، كل ذلك حال بسقوط المستقبل السياسي للبلاد ليصبح بين أيديه.
-التقسيم الضمنيّ:
وإذا ما نجحت حملة الأسد الحالية على مدينة حلب فإنها ستسمح له بإعلان نوع من النصر واستعادة لمكانته باعتباره حقيقة غير قابلة للتنحي، وفي غضون ذلك، فإن الواقع في سوريا سيقع تحت تقسيم ضمني: "سوريا المفيدة" بما في ذلك سوريا الكردية والقسم المتبقي المفكّك، ومن المرجح أن تكون العلاقة ما بين تلك الأجزاء تتجلى بنسقٍ غير منظّم وتحوّل من الصراع، والمحادثات، والصفقات والمساعدات الإنسانية النادرة.
إن إيران تقف كالظل خلف كل منهما، لبنان الذي يسيطر عليه وكيلها حزب الله والجزء الذي يسيطر عليه الأسد من سوريا، ومن المرجح أن تكون إيران ذكية وأن تلعب بهذه المنطقة بلباقة، بالحفاظ على شعور الأقليات الأمن، وحتى بإبقاء بيروت كواجهة للتعدد الثقافي البرّاق، إذ ليس هناك من سبب لتصبح قمعيّة لطالما ما يهمها من السيطرة الأمنية والمنافع المادية ستضخ إليها، وتستطيع المحافظة عليه، ومع ذلك فقد يأتي أيضاً إحداث للتغيير الثقافي في البلاد، كما قام به الشيعة اللبنانيين بالفعل بأخذهم لأبعاد ثقافية أكبر من إيران عبر حزب الله، لذلك فإن لبنان سيقوم بالتحول البطيء، كما سيصبح ببطء أقل مشرقية، وأقل عروبة، ولكن ستبقى هناك عقبات سياسية كبيرة.
إن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين في لبنان هم من السنة، في حين من المفارقات أن سياسات التشريد تلك والسياسات الطائفية الناشئة عن الحرب، قامت بنقل مشكلاتهم من سوريا إلى لبنان، وعندما يتمّ دمجها مع الخلاف السني الشيعي الموجود أساساً في لبنان، فإن هذا يمكن أن يتسبب مشاكل على مرّ الزمن في سعي إيران للسيطرة الكلية والأكثر فاعلية على البلاد، إن هذا أشبه بقنبلة موقوتة في شمال لبنان، في كل من طرابلس، وعكار، ولربما في مناطق أخرى من البلاد.
وكما يجادل القذافي، حول أن دمج الدول والسكان يمكن أن يكون من الناحية النظرية مفيداً، بل وضرورياً حتى، ومع ذلك فقد تكون الحقائق الوسيطة أيضاً لمثل هذا الأمر قاسية للغاية.
إذا لم تقم الحكومة الإسرائيلية قريباً بالتغيير من سياساتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فإن إسرائيل ستحدق في أغلبية فلسطينية تقف في مواجهتها خلال العقود القادمة، وستكون هذه هي الدولة الوحيدة التي دعا القذافي إليها، ولكن مع حكم إسرائيلي يهودي على السكان الغاضبين، هكذا سيكون الحال أيضاً في لبنان وسوريا المفيدة، فإن سيطرة الشيعة على حساب السنة الذين يشكلون الأغلبية سيبقى مفهوماً صعباً وإشكالية كبرى.
وبقدر ما كان تفكّك الحدود المفروضة قد يبشر في نهاية المطاف بشرق أوسط أكثر دستورية، من خلال بتر حدوده الاستعمارية، فإن مثل هذه الكيانات السياسية لن تعمل مطلقاً بشكل جيد طالما أنها تقوم بفرض الهيمنة على إرادة السكان الرافضين لها، سواء أكان ذلك إسرائيل على الفلسطينيين أو إيران وحزب الله والأسد على حساب السنة، إن هذا هو الدرس الأهم والذي ما زال يبدو بعيداً لربما عن فهم كل المتحكمين بأمور منطقة الشرق الأوسط.
-جون بيل هو مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز توليدو الدولي للسلام في مدريد، وهو دبلوماسي كندي سابق في الأمم المتحدة، شغل منصب المستشار السياسي للممثّل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في جنوب لبنان ومستشار للحكومة الكندية.