بلدي نيوز - راني جابر (محلل عسكري)
الهدنة التي دخلت يومها 15 قد تعتبر سابقة منذ بداية الحرب في سوريا، فالنظام وعلى الرغم من خرقه المستمر للهدنة، لكنه لم يصعد خروقه لتصل لمرحلة إنهاء الهدنة تماماً وكذلك الروس، بسبب حاجتهم الشديدة لها.
فالهدنة التي أقرت بسرعة وسلاسة، وبقالب هلامي من ناحية الجغرافية والقوى التي تشملها، لم ولن تكون في مصلحة السوريين، بل هي طوق إنقاذ للنظام ومن دعمه، بسبب وصول الوضع العسكري لنقطة يستحيل التقدم فيها أكثر باستخدام الطريقة والتكتيكات التي استخدمت خلال الأشهر الخمسة من عمر الحملة الجوية الروسية وبروز الحاجة لتكتيكات وأساليب أخرى.
قد تكون الهدنة مقدمة لتمييع الوضع وتثبيته بالشكل الحالي، ومنع الثوار من تنفيذ هجمات مضادة لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام والميليشيات الشيعية والكردية الموالية للنظام، والسماح لها بترتيب أمورها ضمن هذه المناطق وإحكام السيطرة عليها وشحنها بالسلاح والعتاد والاستحكامات الهندسية.
فتوقف القتال هو مطلب المدنيين قبل أن يكون مطلباً للثوار، لكن المستفيد الأكبر من هذه الهدنة هو النظام فعلياً، فلم يراعي سابقاً وضع المدنيين في سوريا، وقد يكون الوصول الخجول للمساعدات لبعض المناطق مثالاً صارخاً على حقيقة تلك الهدنة، فلم تصل كميات كافية منها ولم يطلق سراح المدنيين من زنازين معتقلاته.
الانخفاض النسبي للقصف ومعدل المجازر، والهدوء المخيف الذي ينتشر على امتداد مناطق واسعة، والذي تخترقه مراراً هجمات ضد فصائل "ليست مشمولة بالهدنة"، ليس مؤشراً على قرب النهاية وبداية الحل الذي يريح المدنيين، فما سيعقب الهدنة سيكون أكثر عنفاً وشراسة ودموية.
فعلى الرغم من انخفاض العمليات العسكرية المباشرة خلال فترة الهدنة، لكن عمليات التحضير والاستعداد للعمليات العسكرية لم يتوقف لدى قوات النظام والقوات الروسية.
فهذه الهدنة كما يبدو لا تتجاوز كونها استراحة "تعبوية" لقوات النظام لإعادة لملمة الصفوف، وتخفيف الضغط عنهم وإعادة رسم الاستراتيجية والخطط، بناء على معطيات الفترة الماضية من الحملة الروسية.
إضافة لمحاولة الاستفراد بعدد من الجبهات والمناطق دون سواها وتركيز الضغط عليها، بحجة أنها غير مشمولة بالهدنة، وخاصة المناطق العصية على النظام خلال السنوات الماضية، ومحاولة تطويقها وتقطيع أوصالها وإنهاء وجود الثوار فيها، فقد تكون داريا وبعض أجزاء الغوطة مثالاً على ذلك، حيث رفض النظام منذ البداية إدخال داريا ضمن الهدنة.
المكسب الأكبر
لعل عمليات الاستطلاع التي تنفذها القوات الروسية بدون توقف منذ بداية الهدنة هي أحد أكبر المكاسب للروس وقوات النظام، فطائرات الاستطلاع الروسية لم تهدأ خلال فترة الهدنة كلها، فهي تمسح المناطق التي قصفت سابقاً لتقييم نجاح عمليات القصف، والأهداف التي لم تقصف أو ظهرت حديثاً، أو المواقع التي ستقصف لاحقاً والبحث عن أهداف جديدة.
فالثوار يعانون من مشكلة حقيقية في التعامل مع وسائل الاستطلاع البصرية، سواء الروسية أو التابعة للنظام سابقاً، وتوقف الأعمال القتالية ولو مؤقتاً سيزيد استهتارهم ويسهل كشف المواقع والمقرات التي لم تكشف خلال الفترة الماضية، ما سيؤدي لاستهدافها لاحقاً، خصوصاً أن نشاط عمليات المراقبة لم يتوقف خلال فترة الهدنة، وهو أمر كان يجب أن يوضع كشرط من شروطها، بسبب اعتبار تلك التجهيزات من طائرات بدون طيار وغيرها تجهيزات عسكرية وتستخدم لقيادة وتصحيح النيران.
يضاف لذلك رغبة النظام بإحداث اختراق من نوع جديد ضمن البيئة الحاضنة للثوار في المناطق المحررة، وبخاصة في المناطق الحضرية الكبرى، حيث يسعى و بسبل متعددة لضرب الثوار بحاضنتهم الشعبية، الذين دعموهم خلال سنوات القتال، وتحويل أنظار المدنيين من النظام باتجاه فصائل الثوار وبث الخلافات والمواجهات بينهم.
فالنظام يعرف أنه باستمرار الدعم الشعبي للثوار، فهو غير قادر على إحداث اختراقات حقيقية في المواجهات العسكرية ضدهم، لذلك يسعى حالياً للاستفراد بالثوار عبر عزلهم عن المدنيين، بتجديد طريقة الاستهداف ومحاولة العزل، وتشتيت القوى التي تقاتله وعزلها عن بيئتها الاجتماعية بالعمل الأمني والإعلامي بعد أن أثبت الخيار العسكري فشله.
كيف يستفيد نظام الأسد وحلفائه من الهدنة؟
السبت : 12 مارس 2016
