السباق إلى الرقة.. صراع للفوز بمفاتيح سوريا - It's Over 9000!

السباق إلى الرقة.. صراع للفوز بمفاتيح سوريا

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)

الرقة محور رئيسي في زحمة الصراع الجاري في سوريا, تعمل كل أطراف الصراع للسيطرة عليها, فهل تسمح القوى الدولية بحسم المعركة لصالح أحد الأطراف؟
ملخص
تناقش هذه الورقة السباق المحموم باتجاه مدينة الرقة بين "درع الفرات" والأتراك من جهة, والروس ومعهم الميليشيات الإيرانية من جهة ثانية, و"قوات سورية الديمقراطية" وواشنطن من جهة ثالثة, في خضم الحرب الملتهبة في سوريا منذ ست سنوات, ونوضح في هذا النقاش الأهمية الاستراتيجية للرقة في البعد العسكري وارتباط ذلك بالنتائج وأهداف الفرقاء.
ثم نركز على معرفة أطراف الصراع, واستراتيجية كل طرف منهم على حدة, ونتناول بالتحليل الآفاق المحتملة استنادا إلى مجريات المعارك والخطط المعلنة لأهداف كل طرف.
مقدمة 
بعد معركة الباب التي أوشكت على النهاية, دخلت مدينة الرقة معقل تنظيم "الدولة" الرئيسي في وسط الشمال السوري خط المواجهة العسكرية بين أطراف الصراع, وهم: "درع الفرات" وتركيا من جانب, والوحدات الكردية وحلفاؤها الأميركان من جانب آخر, وكذلك قوات الأسد والميليشيات الإيرانية ومن ورائهما روسيا, ويستمر السباق إلى مدينة الرقة بين الأعداء سواء في بادية الرقة الشمالية الشرقية حيث تتقدم "قوات سورية الديمقراطية" وعمادها الوحدات الانفصالية الكردية, أو قوات الأسد وميليشيات إيران من الجهة الغربية عبر محور دير حافر- مطار الجراح, وظهر لاعب جديد يتمثل بدرع الفرات وتركيا بعد سيطرتهما على مدينة الباب,  وملاحقة فلول تنظيم "الدولة" عبر مساحة ضيقة باتجاه الرقة بعد سيطرة ميليشيات إيران على الطريق الواصل من تادف إلى طريق حلب الرقة عند نقطة مطار كويرس, وكل الأطراف المتواجدة على الأرض حقَّقت بالتنسيق مع الطيران المتحالف معها نتائج مهمة حيث خسر تنظيم "الدولة" العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرتهم في ريف محافظة حلب.
حيال هذا التغير لابد أن تحولاً حدث على طرق القتال والاستراتيجيات المختلفة, وإمكانيات ومواقف كل طرف, فالميليشيات الإيرانية ومعها قوات الأسد ظلت طوال سنين مثار جدل حول عدم قتال تنظيم "الدولة" حيث هرب أمام التنظيم في كل مراحل الصدام, وتوقفت عملياته القتالية بعدما سلم مطار الطبقة والفرقة 17 واللواء 93 للتنظيم. بالرغم من أهمية الرقة وما تشكل من تأثير مهم في المجال السوري, فأحق الفرقاء بتحرير الرقة "درع الفرات" الذي يهدف إلى استعادة المدينة ضمن الهدف الأول من الثورة. بخلاف الأغراض الإيرانية من احتلالها أراض سورية لترسيخ نفوذها, واستمرار سيطرتها على نظام دمشق الهزيل, ويغاير استراتيجية "قوات سورية الديمقراطية" التي تسيطر عليها وحدات الأكراد الانفصالية.
الأهمية الاستراتيجية للرقة
يمكن وصف محافظة الرقة بأنها الجزء الأكثر أهمية وتأثيرًا في الخاصرة التركية من الجزء الجنوبي, عبر منطقة تل أبيض الفاصلة بين منطقتي عين العرب والجزيرة السورية حيث تسيطر الوحدات الانفصالية الكردية, مما أعطاها حدودا طويلة مشاطرة لتركيا, وما يتبع ذلك من أهمية استراتيجية, حيث يوجد سد الفرات وسهولها الزراعية المترامية على ضفتي نهر الفرات ووجود بعض منابع النفط في طرفها الجنوبي أكسبها مزايا اقتصادية لها أهميتها في كافة الظروف.
لذلك، كان من أولويات الروس القيام بعملية عسكرية استباقية في العام الماضي إذ دفعت بميليشيا "صقور الصحراء" باتجاه مدينة الطبقة, وفشلت العملية بعدما خسرت 200 من عناصرها.
كما تشكل الرقة أهمية استراتيجية, حيث تعتبر إحدى أهم نقاط الوصل والفصل الجغرافي بين محافظتي منطقة الجزيرة "دير الزور والحسكة" وحلب, وبين البادية السورية في شطرها الجنوبي ومنطقة الحدود مع تركيا شمالا, إضافة إلى كونها عقدة مواصلات لامتلاكها شبكة من الطرق البرية الرئيسية والفرعية, والجسور الرابطة بين ضفتي نهر الفرات . 
عسكريا: أدرك التحالف الدولي الأهمية الاستراتيجية لهذه الطرق والجسور, فعمد إلى تدمير جسر الرقة الرئيسي, كما سيطرت الميليشيات الإيرانية ناريا على الطريق الواصل بين مدينة الباب ودير حافر, وزحفت الوحدات الكردية الانفصالية من الجهة الشمالية الشرقية للرقة بهدف السيطرة على طريق الجزيرة الرابط بين الرقة ودير الزور مما أدى إلى التحكم بإمدادات تنظيم "الدولة" ومحاولة السيطرة عليها لعزل مدينة الرقة وإطباق الحصار عليها وتفكيك تماسكها, واضطراب المقاتلين والقادة في ظل غياب بدائل أخرى. 
هنا، تجدر الإشارة إلى أن تنظيم "الدولة" ركز على تحصين المدينة باستخدام القنوات المحيطة بالرقة, وزاد من الخزانات الإسمنتية ليستخدم النفط الخام "الفيول" بهدف تحييد الطيران عن أهدافه, كما أعد قوات من نخبته عبر خطوط دفاع متتالية تحضيرا لمعركة ربما تطول نظرا لأهمية الرقة لدى التنظيم الذي يعتبرها عاصمته في الإقليم السوري.
الواقع الميداني
تظهر الخطط العسكرية الرامية للسيطرة على مدينة الرقة عن اختلافات متباعدة داخل كل فريق, وإن كان المشهد العام يكشف عن توافق, كما أن سير المعارك يعطي انطباعا عن تكتيك وخطط تستدعي الوقوف على تفاصيلها بما يفسر نتائج هذه المعركة المرتقبة. 
-المتصارعون على الرقة:
لابد من الوقوف بتفاصيل دقيقة عند الأطراف المتصارعة على الرقة من دول وقوات مختلفة, وميليشيات متباينة, ومنها:
أولاً- فصائل المعارضة السورية المسلحة
تتكون من كتائب عسكرية تابعة لفصائل المعارضة السورية وخاصة الجيش الحر باسم "درع الفرات" ومن هذه الكتائب "فيلق الشام" و"لواء السلطان مراد" و"الفرقة 13" و"أسود الشرقية" وحركة أحرار الشام الإسلامية وغيرها من الكتائب والألوية. وتتلقى قوات المعارضة السورية إسنادا بريا وجويا كبيرا من قوة المهام الخاصة المشتركة في القوات المسلحة التركية، ومن القوات الجوية التركية.
ثانياً- قوات سوريا الديمقراطية

تشكيل قتالي قيادته كردية, يضم تحالفا من المقاتلين الأكراد وأقلية من العرب ويحظى بدعم الولايات المتحدة، سيطر على منبج غربي نهر الفرات ويعمل على وصل منطقتي عفرين وعين العرب (كوباني) عبر مناطق جرابلس ومنبج والباب, قبل أن تجهض عملية "درع الفرات"  مشروعه الانفصالي, وسبق للقوات الكردية أن قاتلت إلى جانب قوات نظام الأسد ضد الجيش السوري الحر. 
ثالثا- تنظيم "الدولة"

سيطر في العام 2014 م على مدينة الباب وقرى منطقة الشريط الحدودي المحررة المحاذية لتركيا بعد طرد الجيش السوري الحر منها, وتوالت هزائم التنظيم بشكل متسارع مع بدء معركة "درع الفرات" في شهر آب من العام الماضي.
رابعا- الميليشيات الإيرانية وقوات نظام الأسد

تضم تكتلا من ميليشيا "حزب الله" اللبناني, وميليشيا "الباقر" التي تتكون من أبناء الشيعة الموالين للأسد وتشرف إيران على تدريبهم وتمويلهم, ويقترب عددهم من ألف عنصر, بالإضافة إلى ميليشيا الأسد التي يقودها العقيد سهيل الحسن الملقب بالنمر, وهناك العديد من المقاتلين الروس، تتموضع هذه القوات في ريف حلب الشرقي. وتدعم هذه الميليشيات الطائرات الروسية.
الخطط العسكرية
تجري المعارك في منطقة عمليات واسعة وفق خطط ظرفية، يفرضها تدافع الأحداث السياسية والعسكرية على كل طرف، بانتظار قرار الولايات المتحدة في وضع استراتيجية طرد تنظيم "الدولة" من الرقة وسط تخبط واضح في إدارة الخطط العسكرية واتخاذ المبادرة في ظل صراع الأطراف وتباين أهدافها في معركة الرقة, ولعل المواجهات الدائرة في الطريق إلى الرقة تجعلنا نميز بين استراتيجيات, استراتيجية إراقة الدماء التي اعتمدها حزب pyd الانفصالي والتحالف المساند له في المنطقة الممتدة من تل أبيض حتى مشارف الفرقة 17من الجهة الشمالية للرقة عند نقطة الصوامع وقرية شنينة, ومن جسر قرقوزاق إلى قلعة جعبر, وهناك محاولة للالتفاف حول الرقة من الجهة الشمالية الشرقية ووصلت مقدمة قوات "قسد" عند منطقة البدرانية ومليحان بهدف السيطرة على طريق إمداد التنظيم الواصل بين الرقة ومنطقة الجزيرة مما أدخل الوحدات الكردية الانفصالية في مواجهة مفتوحة دفع السكان ثمنا باهظا إثر عمليات قصف التحالف الجوي بتضليل القوات الكردية لطيران التحالف, كما فقد الطرفان المتحاربان المئات في المعارك الدائرة, فأصبح الطرفان منهكين, وهذا ما أتاح لفصائل "درع الفرات" تفوقا على تنظيم "الدولة" في معركة الباب. أمَّا في جانب التكتيك المتبع، فالملاحظ أن الجيش السوري الحر بالتنسيق مع الجانب التركي طور آلية هجومه باستثمار ضربات الطيران التركي في شلِّ قدرات التنظيم  لمنع أية محاولة للتجمع بقصد شن هجوم مضاد، إضافة إلى تكثيف الهجوم على المواقع المنهكة أو التي انسحب منها التنظيم وضاعفت الطائرات التركية غاراتها الجوية على مواقع التنظيم لإعاقة موقفه، وتعزيز موقف فصائل المعارضة في المواقع المحيطة بمدينة الباب مما مهد لتحرير العديد من القرى وباتت تصرفات التنظيم ردود أفعال محدودة الأثر بعد انزوائه في جزء صغير من المدينة.  
ولا شك أن سيطرة "درع الفرات" على مدينة الباب, لم تترك خيارا أمام الميليشيات الإيرانية إلا الابتعاد عن مواجهة "درع الفرات" تجنبا لمواجهة الجانب التركي كما حصل في منطقة أبو الزندين بالقرب من الباب, حيث تمكن الجيش السوري الحر من اغتنام عربات مدرعة وقتل العديد من الميليشيات الإيرانية، لذلك سلكت ميليشيا إيران وقوات نظام الأسد طريقا مختلفا إلى مدينة الرقة انطلاقا من مواقعها في منطقتي السفيرة وخناصر باتجاه دير حافر شرقا بهدف الوصول إلى مدينة مسكنة آخر معاقل التنظيم الكبيرة في محافظة حلب لقطع الطريق أمام "درع الفرات" التي ستسلك طريقا بين منطقة سيطرة الوحدات الكردية الانفصالية في ريف منبج الغربي, ومناطق سيطرة الميليشيات الإيرانية بين أطراف الباب الجنوبية ومطار كويرس, باتجاه مدينة الخفسة وصولا إلى مسكنة. وهناك آراء تفيد باتجاه "درع الفرات" شرقا حيث مدينة منبج الخاضعة لسيطرة قوات "قسد", استكمالا لإنشاء منطقة آمنة داخل سوريا يمكن الانطلاق منها مستقبلا في عدة اتجاهات ووفق عدة سيناريوهات، لمنع حدوث موجة نزوح جديدة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين بالمنطقة، وتطهير الحدود من "المنظمات الإرهابية" بما فيها حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، والمساهمة في زيادة أمن الحدود  .
خلاصة: أبعاد المواجهة بين المتصارعين
ترتبط معركة الرقة ارتباطا وثيقا بالمعارك الدائرة على أطرافها من كل الجهات, ولمواجهة ذلك عمد تنظيم "الدولة" إلى مضاعفة قواته وتحصين مواقعه على شكل أنصاف دوائر دفاعية متتالية, ومضاعفة عدد خزانات "الفيول" الإسمنتية لانبعاث دخان كثيف لشل طيران الاستطلاع الذي لا يفارق أجواء المدينة, وإلزام أصحاب المحلات التجارية بإقامة سواتر أمام محلاتهم أو دفع مبلغ مالي لقاء ذلك.
وتتسارع الأطراف المتباينة للتقدم باتجاه الرقة فالتقدم الميداني الذي تحرزه فصائل "الجيش السوري الحر" المنضوية ضمن عملية "درع الفرات" في مدينة الباب وسط توقعات بأن تتم السيطرة على المدينة كلياً خلال ساعات مع رسائل سياسية وعسكرية واضحة تتعلق خصوصاً بالمضي قدماً في العمليات العسكرية، وصولاً إلى مدينة الرقة معقل تنظيم "الدولة" فضلاً عن التمسك بإقامة منطقة آمنة في سوريا، وتحديد أهدافها بـ"تشكيل منطقة خالية من الإرهاب بمساحة 4-5 آلاف كيلومتر مربع، ليحول هذا الأمر دون الهجرة من سوريا، إضافة إلى عودة المقيمين في المخيمات إلى بلادهم" بحسب تصريحات الرئيس التركي أردوغان. وتلعب إيران دورا تخريبيا إزاء التفاهم  بين أنقرة وموسكو، لفرض نفسها كلاعب إقليمي من خلال تعزيز حضور ميليشياتها المتمثلة بـ"حزب الله" اللبناني و"لواء الباقر" تزامنا مع تصريحات أميركية غاضبة نتيجة السلوك الإيراني في مضيق باب المندب وتجاربها الصاروخية, في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات تقاربا بين أنقرة وواشنطن بعد زيارة رئيس المخابرات الأميركية إلى تركيا ولقائه المطول برئيس المخابرات التركي, رافقه إعلان يتمثل في الرغبة الأمريكية لإشراك أنقرة في عملية  تحرير الرقة. 
لذلك تتصاعد عملية السباق في الوصول إلى الرقة لطرد تنظيم "الدولة" وبات أول الواصلين إليها سواء من "درع الفرات" أو الميليشيات الإيرانية, أو قوات "قسد" هو من سيفرض حضوره السياسي والعسكري في الحرب ضد "الإرهاب".

مقالات ذات صلة

"النواب الأمريكي" يصوت على قانون "الكبتاغون 2"

"قسد" تبلغ نازحين من دير الزور لمغادرة القامشلي

قسد تعتقل ثلاثة موظفين في الهلال الأحمر ، فما السبب؟

"الدفاع التركية" تلعن استهداف عناصر من "قسد" في سوريا

بما علق نظام الأسد على الهجمات الإيرانية على إسرائيل

مقتل شخصين من المهربين على الحدود الأردنية السورية