إيران وإسرائيل.. تهديدات متبادلة واستراتيجيات متضاربة - It's Over 9000!

إيران وإسرائيل.. تهديدات متبادلة واستراتيجيات متضاربة

بلدي نيوز – (تركي المصطفى)

يمكن اتخاذ العملية العسكرية الإسرائيلية الموسومة بـ "بيت الورق"، التي نفذها الجيش الإسرائيلي في الساعات الأولى من 10 أيار/مايو الجاري، على ستين منشأة للاستخبارات العسكرية الإيرانية، وأهداف لوجستية، ومراكز عسكرية في سوريا، ردّا على إطلاق الميليشيات الإيرانية حوالي ثلاثين قذيفة صاروخية من طراز "غراد"، و "فجر-5" من الأراضي السورية، على مواقع عسكرية إسرائيلية أمامية، على طول مرتفعات الجولان المحتلة.

مقدمة:

هذه العملية يمكن أن تكون منطلقًا لاستعراض التطورات العسكرية بين إسرائيل وإيران، بوصفها نقطة تحول مهمة قرَّبت المسافة من اندلاع مواجهة عسكرية شاملة بين الطرفين المتنافسين على الأرض السورية، وسيجري استعراض ومناقشة أكثر هذه التطورات أهمية وتأثيرًا، من خلال عدد من المحاور المبينة تاليًا.

نكبة عسكرية

عسكريا: مثَّلت واقعة هجوم الطيران الإسرائيلي، نكبة عسكرية غير مسبوقة في الحرب السورية، قصمت بلا هوادة، ظهر الميليشيات الإيرانية، حيث حصدت الغارات الجوية العسكرية عددًا من القادة والخبراء في الطيران والصواريخ، ومن بين الأهداف "مستودع أسلحة" خاص بـ "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني في مطار دمشق.
كما تم استهداف مواقع الدفاع الجوي السوري الفعالة، حيث أطلقت "إسرائيل" ستين صاروخ جو- أرض، وعشرة صواريخ أرض- أرض.

بالمقابل؛ جاءت الهجمات الإيرانية الاستعراضية، بأمرٍ من قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني بحسب المصادر الإسرائيلية، ولكن حجم الرد الإيراني يشي بأن الإيرانيين ردوا من باب الحرج، ورفع العتب، فسقطت معظم صواريخهم في الأرض السورية، وما تبقى منها اصطدم بالقبة الدفاعية الإسرائيلية، فيما حمّل الإعلام الرسمي الإيراني نظام "الأسد" مسؤولية الرشقات الصاروخية.

يركز الإيرانيون على أنهم القوة الأولى المهيمنة على مناطق نفوذ الأسد، فهم من يسيطرون على مفاصل النظام، ويديرون الحرب، ويتحكمون بملف الحدود مع "إسرائيل" التي تحتل الجولان، ويتصدرون المفاوضات نيابة عن "الأسد"، كما استطاعوا الحفاظ على ذلك من خلال شبكة من المصالح المشتركة، استأثرت الطائفية "الشيعية" بالجانب الكبير منها، مكوِّنة بذلك ميليشيات عسكرية طائفية متعددة الجنسيات، في مقدمتها "حزب الله اللبناني" وكيلها في سوريا ولبنان، الذي تعتمد عليه استراتيجية إيران في مواجهة "إسرائيل"، و يملك أكثر من 150 ألف صاروخ حسب بعض التقديرات والقادرة على الوصول إلى العديد من المناطق الإسرائيلية الحيوية.
لكن الحملة الجوية والصاروخية الإسرائيلية الأخيرة الواسعة، حملت توكيداً على استعدادها لمواجهة شاملة مع إيران، وإشارة واضحة وجلية أن القذائف والصواريخ التي استهدفت الجولان، لا يمكن أن تندرج في إطار استراتيجية توازن الردع، واستنساخ جنوبا آخر، يشكل ضغطا على إسرائيل.
كما لم تنجح رسالة إيران الموجهة للولايات المتحدة، في أعقاب انسحابها من الاتفاق النووي، بأن طهران تملك القدرة على إشعال المنطقة، وبأنها غير مستعدة لتعديل الاتفاق، أو إيقاف برنامج صواريخها البالستية، ولا حتى إعادة النظر في سياستها الإقليمية في المنطقة العربية.

تهاوي الحلم

في الفضاء الأوسع للصراع على الأرض السورية المتخم بقوى ومصالح متعارضة، تبرز قوة روسيا التي تتطلع إلى توسيع نفوذها في سوريا، وفرض نفسها كشريك ندّي للغرب في المنطقة، ومناطق أخرى من العالم.
هنا تتكسر الأحلام الإيرانية في إيجاد شريك قوي يساندها عسكريا في الضغط على "إسرائيل"، فزيارة بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى موسكو، عطلت صفقة بيع صواريخ "إس 300" الروسية المتطورة لنظام "الأسد"، قبل ساعات من الهجوم الصاروخي الإسرائيلي، وتبع ذلك تصريح الإسرائيليين أنهم أبلغوا الروس بالهجوم.
هنا؛ تراجع تصعيد إيران حتى الإعلامي خطوة إلى الوراء بعدما استوعبت حجم التداعيات، والتأثيرات المتلاحقة لتحرشاتها، في ضوء ما تُشكِّله قدرات الإسرائيليين العسكرية، وبالأخص التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي في جانبه التقني والأمني، فالضربات الإسرائيلية الدقيقة تعطي إشارات كبيرة على حجم التغلغل الإسرائيلي داخل أجهزة نظام "الأسد" الأمنية والعسكرية، شريكة الميليشيات الشيعية الإيرانية العاملة في سوريا.
كما أن حجم التأثير الإسرائيلي على روسيا، يجعل منها مصدرا استخباراتيا بالنسبة للإسرائيليين، وهذا ما سمح لـ "إسرائيل" استهداف كافة المواقع والقواعد العسكرية الإيرانية، وفي هذا الإطار نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، صورا لتلك المواقع على حسابه الرسمي في "تويتر"، مع شرح مرفق باللغة العربية، لكل موقع تم استهدافه، والوظيفة التي يغطيها، ومن بين الأهداف التي ضربها الطيران الإسرائيلي، مجموعة من التلال الاستراتيجية التي حولتها إيران إلى نقاط استخباراتية، مستغلة ارتفاعها وموقعها المشرف على مناطق واسعة من الجنوب السوري.

ووفقاً للصور التي نشرها الجيش الإسرائيلي؛ فإن التلال هي: "تل القليب" في السويداء، الذي يبلغ ارتفاعه عن مستوى سطح البحر 1683 متراً، و "تل غربة" في مدينة الصنمين في ريف درعا الشمالي، وهو موقع أثري، و "تل مقداد" في ريف مدينة إزرع، معقل قوات النظام والمليشيات الإيرانية، وخط الدفاع الأول عن العاصمة السورية دمشق من الجنوب، و "تل النبي يوشع" في بلدة موثبين، إحدى الهضاب الاستراتيجية في ريف درعا الشمالي.

وتشير الصور أيضاً إلى استهداف موقعين؛ أحدهما للخدمات اللوجستية شمال دمشق، وآخر تابع لفيلق "القدس" الإيراني في مدينة الكسوة في ريف دمشق، يضم مباني تخزين وسيارات.
وشملت الأهداف أيضاً مواقع لميليشيات موالية لإيران قرب الحدود السورية الجنوبية، تشمل مواقع للمراقبة وجمع المعلومات.


ومع استهداف "الإسرائيليين" هذا العدد الكبير والمتنوع من المواقع العسكرية الإيرانية؛ يتجلى المشهد أكثر، ويزداد حدّة مع استمرار تهديد "إسرائيل" بالحرب، لما تتمتع به من قدرات تجعلها تتحكم بإدارة الآتي:
- شل القدرة الصاروخية لدى إيران، وميليشياتها الشيعية الأخرى، والحيلولة دون إحداثها مصدرا لتوازن الردع.
- استمرار "إسرائيل" باستهداف القواعد العسكرية الإيرانية، لضمان حرمانهم من التشبث بتلك المواقع القريبة من حدود الجولان السوري المحتل، وإبطال فعالية الصواريخ التي طالما هددت إيران بها.
- استنزاف "إسرائيل" للوجود العسكري الإيراني في سوريا، مع استعدادها لخوض معركة طويلة الأمد، إذا تطلب الأمر ذلك.
- تخويل الكنيست الإسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه، باتخاذ قرار الحرب دون الرجوع للكنيست.
- ضمان "إسرائيل" عدم تدخل روسيا إلى جانب إيران، أو الاعتراض على عملياتها العسكرية في الداخل السوري.
ومع استمرار "إسرائيل" في التهديد بالحرب، فإنها ستأخذ بُعدًا دوليًّا أوسع، تخرج معه من الساحة السورية؛ في حال تمكّن الحرس الثوري الإيراني من جرّ الحكومة الإيرانية إلى التمسك بقواعدها العسكرية، على الحدود مع الجولان المحتل، مما ينطوي عليه التحضير لحرب صغيرة كما يعتقد - سليماني وأقرانه - في الحرس، تشمل ثلاثة محاور رئيسية (سورية ولبنان وقطاع غزّة)، تكريسا لهيمنة إيران في المنطقة، وتمهيدا لتسريع وتيرة إنتاج القنبلة النووية الإيرانية، ومنعا للأطراف الأخرى؛ سواء عربية أو إسرائيلية، من الضغط على المجتمع الدولي لإبداء أي اعتراض على الدور الإيراني في المنطقة.
صراع تيارات
من هنا؛ فالصراع بين التيارات الإيرانية المتباينة، يتمحور حول تجنيب إيران الحرب الشاملة، كي لا تخسر نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وحاجتها إلى مزيد من الوقت والجهود لتثبيت مصالحها الاستراتيجية في سوريا، وإعادة ترسيخ أركان نظام "الأسد" في الحكم، وخشيتها من تدمير بنيتها التحتية العسكرية، وخاصة المفاعلات النووية والقواعد العسكرية التي ضخت فيها استثمارات ضخمة على مدى عقود.
وكنتيجة متوقعة؛ ستكون طريقة القضاء على القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا عنيفة، حيث سيلجأ فيها الطرف الإسرائيلي والأميركي إلى استخدام كافة أشكال القوة، مثلما تابعنا قبل أيام قريبة العاصفة الجوية الإسرائيلية، التي استهدفت غالبية القواعد الإيرانية في سوريا، ولن تتوقف إلا بعد الحد من النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة على أقل تقدير.

مقالات ذات صلة

شركة“روساتوم آر دي إس” (Rusatom RDS) الروسية ستبدأ توريد معدات غسيل الكلى إلى سوريا

"التحقيق الدولية": سوريا مسرح لحروب متداخلة بالوكالة

الإعلام العبري يكشف هوي منفذالغارات على دير الزور

ما الأسباب.. شركات دولية ترفض التعامل مع معامل الأدوية السورية

الشرق الأوسط: إعادة اللاجئين السوريين يجمع ما فرقته السياسة في لبنان

رأس النظام يتسلّم دعوة للمشاركة بالقمة العربية في البحرين