هل انهيار العملة السورية.. مقدمة لإسقاط الأسد؟ - It's Over 9000!

هل انهيار العملة السورية.. مقدمة لإسقاط الأسد؟

 

مقدمة

من المبكر أن تُصدر الأحكام وتطلق التصورات حول المرحلة التي تعيشها سوريا ما بعد الانهيار الاقتصادي، لأننا لم نصل إلى الحالة التي يمكن عندها القول إن نظام الأسد أوشك على السقوط, ولكن ما يزيد من وجوب إمعان النظر، أن المشهد السوري يبدو في تبدل وتشكل، وتأزم، بين يوم وآخر سواء في الجانب العسكري أو الاقتصادي, فضلا عن السياسي، ومن ذلك: التطور الخطير في انهيار الليرة السورية أمام ارتفاع غير مسبوق للدولار الأميركي, حيث باتت العملة السورية محور الأحداث الاقتصادية, وواصلت الليرة انخفاضها المتسارع تاركة سوريا في حالة انهيار اقتصادي، وانعكس هذا التهاوي لليرة على ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية بمعدلات قياسية، مما ينذر بكارثة اقتصادية ومفاقمة معاناة السوريين المتزامنة مع جرائم الأسد الجارية في إدلب، فقد قتلت طائراته عشرات السوريين في "سراقب ومعرة النعمان وسجن ادلب المركزي ومحمبل", وغدت كل الأخبار السياسية, وحتى العسكرية جانبية بالمقارنة مع دخول عنصر جديد إلى المسرح السوري، الأمر الذي يشير لحصول مستجدات كثيرة تجعل من القادم أكثر ألما ومعاناة وصخبا.

ما سبق يدفعنا لاستشراف المشهد وتكوين القاعدة الأولى لإدراك ما جرى ويجري، وهو ما يدفعنا كذلك إلى التساؤل: من يقف وراء انهيار العملة, هل العقوبات الأميركية على إيران تشكل سببا رئيسا, وهل هذا الانهيار يدعو لاندلاع ثورة جياع على غرار لبنان والعراق وإيران, وهل يعتبر ذلك مقدمة لسقوط نظام الأسد؟ 

من يقف وراء انهيار العملة؟

تسبب التهاوي المتسارع للعملة المحلية في شل حركة النشاط الاقتصادي السوري، وسط عجز نظام الأسد عن اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد, وربما يتابع الدولار ارتفاعه إلى أكثر من ألف وحتى ألفي ليرة, نتيجة أسباب داخلية وأخرى خارجية.

الأسباب الداخلية

تتجسد بتبديد الأسد للقطع النقدي الأجنبي بالبنك المركزي، فقد كان الاحتياطي النقدي من الدولار أكثر من 18 مليار دولار عام 2011م تزامنا مع انطلاق الثورة، فيما أشار صندوق النقد الدولي قبل عامين إلى أن موجودات المصرف المركزي تراجعت الى (600-700) مليون دولار. ويعتقد محللون اقتصاديون أن القطع الاجنبي في البنك المركزي قد تبدد بالمطلق بدليل استيراد النفط والقمح، ومما يدلل على مؤشرات تفاقم انهيار العملة وعجز النظام عن التدخل، انسحاب وزارة الاقتصاد من تمويل عمليات التجارة نتيجة فقدانه للاحتياطي "الدولاري" بسبب حربه على الثورة.

وهذا ما دفع بالتجار الذين أبرموا عقود استيراد سابقة مع شركات وجهات خارجية - وهم ملتزمون بالدفع- لشراء الدولار من السوق السوداء، ما يعني زيادة الطلب على القطع الأجنبي في سوريا الأمر الذي تسبب بارتفاع الدولار وتهاوي الليرة السورية، فضلا عن الأسباب النفسية المتمثلة بالخلافات بين الكتلة الصلبة المحيطة بالأسد عندما تلقت صفعة كبيرة بفرض نظام الأسد إتاوات على التجار بعد تدخل البنك المركزي لإيجاد صندوق لدعم الليرة والذي اقترحته غرفة تجارة دمشق، مما انعكس نفسيا واقتصاديا على أي مكتنز لليرة السورية، وفي هذا السياق أصدر وزير تجارة نظام الأسد "محمد سامر الخليل" قرارا يحمل رقم "944" يلزم المستوردين بإيداع نسبة 15% من قيمة إجازة الاستيراد بالليرة السورية ومن دون فائدة. وفي حال قيام المستورد بتمويل الإجازة من أحد المصارف العاملة، فإن عملية التمويل تخضع للإجراءات الصادرة عن مصرف سوريا المركزي بهذا الخصوص، وتشترط الشراء بسعر الصرف الذي حدده المركزي بــ"434" ليرة، في حين وصل سعر الصرف في السوق السوداء إلى "950". وهو سبب تراكم كثير من أموال تجار الحرب الذين كانوا يتمولون من المصرف المركزي ويلعبون كمضاربين.

قرار إلزام المستوردين بإيداع نسبة 10% من قيمة إجازة الاستيراد، صدر على خلفية فرض إتاوة بعنوان "عملتي قوتي" التي دعا إليها المصرف المركزي بمشاركة عدد من تجار الحرب السوريين، نهاية أيلول الماضي، إثر تداعي سعر صرف الليرة. وهذا ما أدى إلى إحجام المستوردين عن الإيداع، وأن وجود المستورد ملزم في تعويض المبلغ الذي تم إيداعه في صندوق "الإتاوة"، من خلال رفع سعر المادة المستوردة.

ولعل انعدام الصادرات السورية من النفط حيث كان يصدر في العام 2011م 150 ألف برميل يوميا وغير ذلك من الصادرات المتنوعة التي تعود بالعملة الصعبة، فضلا عن تعطيل السياحة وتراجعها الى الصفر هو ما ضاعف من تهاوي قيمة الليرة أمام العملات الصعبة.

الأسباب الخارجية

إن اشتعال الثورات بدول الجوار (لبنان والعراق) ومن ثم إيران؛ أسهم في تعاظم شل حركة النشاط الاقتصادي السوري حيث من المعلوم أن الإيداعات "الدولارية" السورية في لبنان تقدر بـ 30 مليار، وشهدت الأشهر الأخيرة دعوات سورية لسحب تلك الإيداعات من لبنان وهو سبب أساسي لتهاوي الليرة السورية التي وصل سعر صرفها إلى "950" مقابل الدولار الواحد كما انعكس تهاوي الليرة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدهور الأمن الغذائي، وشهدت الأسواق المحلية ارتفاعا حادا في أسعار السلع الغذائية المستوردة بما فيها الدقيق وزيت الطبخ والسكر في الأسبوع الثاني من نوفمبر تشرين الثاني الجاري مقارنة بما كانت عليه في أكتوبر تشرين الأول الماضي، علاوة على توقف حركة التجارة والنقل عبر معبر "البوكمال – القائم" نتيجة الانتفاضة العراقية مما انعكس سلبا على نظام الأسد الذي يعتمد على الأسلحة والبضائع الإيرانية رغم رداءتها، وتجارة المخدرات وبذلك فإن الثورات المشتعلة بدول الجوار, ظهرت آثارها المدمرة على نظام الأسد اقتصاديا، فضلا عن تراكم الركود الاقتصادي في البلدان التي تشهد احتجاجات عارمة نتيجة سياسة الإنفاق الكارثية التي تمارسها الطبقة السياسية في البلدان التي ترزح فيها الشعوب تحت سياط الجوع، بينما تذهب العائدات النفطية وغيرها إلى حروب عبثية ترضي غرائز المستبدين وتدعم إرهاب الميليشيات الطائفية التي تدعمها إيران.

ولعل من الأسباب الأساسية لتهاوي الليرة السورية, رفع روسيا الغطاء عن العملة السورية إثر لقاءات بشار الأسد المتكررة مع الإعلام المحلي وحديثه عن "انتصاره المنفرد على المؤامرة الكونية"، وموقفه المتعالي من اللجنة الدستورية التي هي بالأساس مطلب روسي. ما دفع موسكو، إلى إعلام الأسد أن مصلحتها مقدَّمة على الجميع, فأرسلت صحفيا من "روسيا اليوم الإنكليزية"، حمل عدة رسائل للأسد على شكل أسئلة مليئة بالإهانات والاتهامات له ولنظامه كي يتراجع عن أكاذيبه، لكنه ظل يعيش أوهامه في لقائه الأخير مع مجلة فرنسية.

بالعملة.. انتشال الأسد أم إسقاطه؟

إن التجاذب الشديد على صنع القادم السوري على الهيئة المرغوبة لكل من روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل التي تسعى مجتمعة لأن تكون أهدافها مقدَّمة على الجميع، أو أنها -على الأقل- تكون عديمة التقاطع مع مصالحهم. إننا إزاء كل هذا، قد نكون على درجة من السذاجة لو حاولنا تصور أن انهيار العملة سيستمر حتى يتداعى نظام الأسد ويسقط, فالواقع غير ذلك، حيث سيتم التدخل الخارجي من دول أصدقاء الأسد، وستتدخل حتى بعض الدول العربية, وإن احتاج الأمر ستتدخل واشنطن، فقد كشفت الوقائع والأحداث التي شهدتها وتشهدها سوريا على مدى ثماني سنوات أن الأسد ليس وحده من يقف وراء كل هذا الصخب والأحداث والجرائم، وأنه ليس وحده ولا ممثله "الجعفري" ولا حتى الروس من يقف وراء تعطيل وظائف مجلس الأمن الدولي، بل هناك أيادٍ أخرى توجهه وتحميه لها ارتباطها الوثيق بكل ما يدور في سوريا، فالواقع أثبت أن الأسد جزء من منظومة مافيا دولية، تحولت مع كل جريمة كبرى إلى منظفات لقذارته، وهي في ذلك تعكس بشكل عام توجه السياسة الدولية الداعم لإبقاء الأسد لاعبا رئيسيا في المشهد السوري، وحليفا غير معلن للمنظومة المافياوية الدولية في مكافحة ما يسمى "الإرهاب". فكيف يمكن لهذه الدول أن تترك "عميلها" الأسد أن يسقط من بوابة الليرة والاقتصاد وهي لم تستكمل تقاسم الذبيحة السورية؟

ثورة جياع

إذن، ما الذي يمكن للسوريين أن يفعلوه ابتداء, إزاء الانهيار الاقتصادي؟ إن ما يؤرق كل سوري, الاقتصاد والأمن، المحذوفين من القاموس السوري, واللذين قادا سوريا إلى مصير مريع لا زال يعبث به الأسد منذ انفجار الثورة السورية، وأمام هذه الكوارث المتعاظمة، هل سيخرج السوريون في مناطق نفوذ الأسد تحت سياط الجوع؟

تبين بعد كل أعمال العنف والجرائم والتصفيات، التي قام ويقوم بها الأسد، أن مخابرات دول أصدقاء الأسد تستشعر بالخطر الذي يهدد حليفهم، ومع تنامي أية قوى مضادة يصار إلى ضربها في حال تشكيلها أدنى تهديد لسلطة الأسد, بمن فيهم الطائفة العلوية التي اكتوت بناره، وما جرى لطائفتهم من انهيارات في المشهد السوري بعد أكثر من مئتي ألف قتيل منهم وأضعاف ذلك من الجرحى، مقابل بقاء الأسد في القصر الجمهوري الذي تحتله أطراف دولية وإقليمية متناحرة جعلت من سوريا ساحة بديلة لصراعاتها، ومن ذلك: روسيا، وإيران، وإسرائيل, والولايات المتحدة، لذلك لا يمكن في المدى المنظور اندلاع ثورة "جياع" للأسباب المذكورة أعلاه.

نتيجة

إن ما يجب أن يعيه ويتوقعه المواطن السوري، أن المسلسل المأساوي طويل ومتنوع، ويحمل معه الكثير من الصدمات, لذلك قد يكون السبيل الأوحد للخروج من هذا الوضع، هو انفجار الشارع السوري على نحو ما يلجأ إليه كل مريض يائس في آخر محاولة منه للتداوي، وهو الكيّ، وذلك بالاستفادة من أحداث ومتغيرات الثورات المشتعلة في كل من لبنان والعراق وإيران, لما أحدثته من أثر بالغ على ما يجري في سوريا، مع أن هذا الاستنتاج يدخل ضمن الأماني والرغبات في ظل تمسك الدول الفاعلة, بالأسد ونظامه, لاستكمال تقاسم النفوذ, لذلك وصلت الرسائل الروسية للأسد من خلال انهيار العملة, وإجباره على الرضوخ بلا شروط ولا قيود لما ستمليه التوافقات  الأمريكية والروسية الجديدة، وبالأخص اللجنة الدستورية، وما هو أبعد منها.

 

 

مقالات ذات صلة

الإعلام العبري يكشف هوي منفذالغارات على دير الزور

الشرق الأوسط: إعادة اللاجئين السوريين يجمع ما فرقته السياسة في لبنان

صحيفة تتساءل.. لماذا يخشى الغرب من تفكيك مخيم الهول بالحسكة

أمريكا تدين الدور الروسي في حماية الأسد من المساءلة على أفعاله

اجتماع بين المبعوثة الفرنسية إلى سوريا ومسؤولة أممية بشأن المساعدات الإنسانية

ارتفاع لهجة التحريض ضد اللاجئين السوريين في لبنان لتطال الإعلانات التلفزيونية