السويداء: استئناف الثورة ضد نظام الأسد.. "المعركة الوطنية" - It's Over 9000!

السويداء: استئناف الثورة ضد نظام الأسد.. "المعركة الوطنية"

بلدي نيوز - تركي مصطفى

مع انطلاق مظاهرات مدينة السويداء في بداية شهر يونيو/حزيران الجاري، رفع المحتجون شعارات "عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد"، "الشعب يريد إسقاط النظام"، "ثورتنا مش ثورة جوع ثورتنا ضد الركوع" و"سورية ثوري ثوري هزي القصر الجمهوري" و"حرية للأبد غصباً عنك يا أسد". كما طالبت بإخراج قوى الاحتلالين الإيراني والروسي. 

اليوم، تواجه "السويداء" أزمات متراكمة تفاقمت إلى الحد الذي قد يدفعها، لأن تغدو مجددة لروح "الثورة السورية" في عامها الأول. فمن أسئلة اللحظة التي يثيرها متابعو الحراك الثوري في السويداء: لماذا أُغرقَت المحافظة، في لجة من الانكماش السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتصاعد على مدى سني حكم آل الأسد"؟ والسؤال المتصل، لماذا تراجع الدروز من مركز قيادة "الثورة السورية الكبرى" في مقتبل القرن العشرين إلى أن باتوا اليوم مع الثورة الجارية مجرد أكثرية "حيادية وأقلية ثورية"، وعلى الهامش تظهر مجموعة سماسرة وقتلة من أمثال "كتائب البعث" وزهر الدين؟ ولماذا حاولت الآلة الإعلامية للنظام اختزال كل المشهد الدرزي خلال سني الثورة الماضية بشخص وفيق ناصر؟.

تبرز أهم أسباب "الانكماش" في السويداء بسياسة الأسد المركزة على المحافظة، وهي سياسة جرى إعدادها وتوفير أدواتها منذ العام 1966م لإنتاج واقع جديد في تلك المناطق، وانصب تركيزها على المجالات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك على نحو ما اتبع من أساليب طائفية للتخلص من (سليم حاطوم) آخر الرموز العسكرية الدرزية المناهضة للأسد الأب في بنية نظام البعث، والذي مثل عامل قلق للأسد بعينه، لتطوى شوكة الطائفة الدرزية مع التصفيات اللاحقة التي شملت غالبية كبار الضباط الدروز (فهد الشاعر وحمد عبيد)، وكذلك الشخصيات السياسية الدرزية كـ"حمود الشوفي ومنصور الأطرش وشبلي العيسمي". في عملية وصفها النظام ذاته بأنها "قطع رؤوس" الوطنيين الدروز ومحاولة إلحاق من تبقى بركاب العصبة الأسدية لتوظيفهم ضد السوريين إلى أجل غير مسمى، وهي لعبة الأسد في دغدغة عواطف الطوائف ولأهداف مرحلية تنتهي مثلما يحلم الأسد، في الوقت الذي حرم الأسد الأب الدروز من إحياء ذكرى وفاة سلطان باشا الأطرش الذي رفع شعار "الدين لله والوطن للجميع".

ولعل من أشد بواعث الانكماش في السويداء الشروخ العميقة التي زرعها النظام في الشارع المختلف في توجهاته السياسية، ورؤيته المتباينة حول مستقبل الدروز في مسألة:

- أن يكون الدروز ضمن دولة الأسد القمعية، وهذا ما يمضي فيه نظام الأسد الطائفي الذي ادعى منذ بداية الثورة أنه حامي الأقليات ضد "التطرف والإرهاب"، ولم يخفِ هذه الحقيقة منذ المؤتمر الصحفي لمستشارة رأس النظام (بثينة شعبان) وهي تتحدث عن الطائفية. ولا شك أن هناك شريحة درزية لا تزال داعمة للأسد في التفاف حول خطابه الطائفي الذي مثله في فترة طويلة بوقه وعميله وئام وهاب، الدرزي اللبناني الذي استقبله "شبيحة" السويداء بالأرز والورود ونحر الخراف الممزوجة بخطاب الشيخ أبو علي سليمان أبو دياب الذي توعد فيها بهزيمة الثورة السورية، كما افتخر وهاب بمقتل عدد من عناصر تياره (التوحيد العربي) من الدروز اللبنانيين تحت راية الأسد دفاعا عن الطائفة. ومع استئناف المظاهرات السلمية، واجهها شبّيحة "كتائب البعث" الذين تنكّروا بهيئة مسيرة موالية، حيث قاموا بالدخول فيها ومن ثمَّ الهجوم والاعتداء على المتظاهرين بالعصي والسكاكين بمساعدة الأجهزة الأمنية التي اعتقلت عدداً من محركي المظاهرات، ومنهم رواد صادق، وبشار طرابية، واسماعيل الممساني بحسب مصادر محلية من السويداء.. 

- وأن يكون الدروز ضمن دولة العدالة والمساواة والديمقراطية التي ينادي بها المتظاهرون اليوم في ساحات السويداء، وقد تعالت أصوات "الثورة" التي تسكن نفوس الأغلبية من أهالي السويداء، فالمظاهرات ليست جديدة، فمنذ عام 2011 تكرر خروج المحتجين إلى الشوارع، وزادت في العام 2015 بعد مقتل الشيخ وحيد البلعوس، وكذلك الأمر في عام 2017 و2018 والأعوام التالية وصولًا إلى مظاهرات اليوم. يدفعها القلق من استفراد "عصابة" بالسلطة والثروة، والخوف من قتل وتجويع المجتمع السوري، وما إلى ذلك من التوجسات التي تزيد من عمق الاحتجاجات واتساعها.

وتعد المظاهرات التي تكتظ بها ساحات السويداء، امتدادا لتسع سنوات من عمر الثورة، في ظروف يكاد النظام يتداعى بما يحمل من عوامل ضعف داخلية متراكمة وعوامل خارجية من أبرزها: اقتراب قانون قيصر من حيز التنفيذ بعد أيام قليلة. فعاد المحتجون للنشاط مرة أخرى، وبدا هذا الحراك أقوى من أي وقت مضى، فاستمرار المظاهرات والتفاعل الواسع معها، وامتدادها إلى مدن أخرى يسيطر عليها نظام الأسد، يطرح سؤالا: ما مدى قدرة المتظاهرين على الاستمرار، وكذلك قدرتهم على مواجهة أجهزة الأمن المستعدة لقمعهم؟. ربما يقودنا هذا المشهد إلى مشهد مظاهرات الأعوام السابقة، لتبدو الصورة مختلفة، فبعد أن اندفع المحتجون اليوم إلى ساحات التظاهر، رفعوا شعارات كبيرة دفعة واحدة وعلى رأسها "الإطاحة برأس النظام"، ولم يعد الحراك وقفا على السويداء وحدها، فهناك مدن وبلدات سورية أثبتت قدرتها على الندية والمواجهة رغم كل الظروف من خلال ما أبدته من بسالة خلال الحرب المستمرة، وقد برهن على ذلك مظاهرات إدلب، ودمّر وزاكية بمحيط العاصمة دمشق، وكذلك شهدت مدينة طفس، التابعة لمحافظة درعا القريبة من السويداء، مظاهرة ليلية حملت الشعارات ذاتها التي رددها أهالي السويداء، واقترن ذلك التواصل بين المتظاهرين إلى تبادل التحيات، وفي السياق يقول الكاتب ماهر شرف الدين "خصوصية تلك التحية بين السويداء وبقية المدن السورية شديدةٌ جداً، ومختلفةٌ أيضاً عن تبادل التحية بين حمص ودير الزور مثلاً، أو بين إدلب وحماة، أو بين درعا وحلب. وسبب تلك الخصوصية – كما لا يخفى على كلّ من شهدَ فصول الثورة المدنية السورية التي حوَّلها النظام إلى اقتتال طائفي - أن تبادل التحية هنا يتمّ بين مدينة "درزية" ومدن "سنّية" جرَّب النظام كلَّ الأساليب الاستخباراتية القذرة للإيقاع بينها وللحيلولة دون تواصلها معاً".

مجموعة أخرى من السوريين دخلت على خط الاحتجاج ممن يقطنون الجولان المحتل، ويرتبطون مع المحتجين في السويداء بروابط قربى، فضلاً عن الروابط الوطنية التي تربطهم بالسوريين، نظموا مظاهرة في مجدل شمس وغيرها من قرى وبلدات الجولان لدعم السويداء، والتأكيد على "متاجرة" النظام في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. مما أعطى هذا "الاستئناف" الثوري، الذي صنعته مظاهرات السويداء بُعداً وطنيّاً أسقط سردية خطاب نظام الأسد على مدار نصف قرن ليعيد للأذهان حقيقة تفريط الأسد الأب بهذا الجزء من الأرض السورية، وهو الوالغ في الدماء السورية حتى الرقبة.

في ظل هذا التوافق بين مكونات المجتمع السوري، يحاول نظام الأسد استغلال هذا "الزخم" الثوري استغلالًا سافرًا، للنيل من أهل السويداء، وقد برهن على ذلك ما شهده الريف الشرقي، عبر عملية تسلل تنظيم داعش الذي ارتكب مجزرة راح ضحيتها أكثر من 250 شخصاً، وسط غياب قوات الأسد وتحت مرآها. وبحسب المصادر، فإن النظام يعمل اليوم على زرع الفتنة بين أهالي السويداء، حيث عمد بالأمس، إلى إخراج مسيرة مؤيدة له في المدينة، وذلك بتهديد الموظفين وطلاب المدارس والجامعات والمعاهد بـ"المحاسبة الشديدة" في حال عدم خروجهم فيها. وفي محور آخر، تلعب الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد دوراً فاعلاً في محاولة تشويه مجتمع السويداء، حيث ذكرت مصادر محلية أن الأهالي في المنطقة سجلوا عدة عمليات خطف استهدفت مواطنين من حلب ودمشق، لدمغ أهالي السويداء بالطائفية، وبالتالي تشويه المظاهرات، ليقع الجميع في مصيدة النظام ويتصدر مواجهة ما يسمى "الحرب الأهلية" وفق أجنداته. 

يبدو أننا أمام منعطفٍ له ما بعده، فهل سيتمكّن المتظاهرون في السويداء من "استئناف" ثورتهم بهذه الروح الوطنية ضد النظام، أم أنها ستتلاشى أمام الآلة الإعلامية والعصا الأمنية؟ حتما لن تكون نهاية المظاهرات سهلةً بعد هذا الزخم الثوري المتبادل بين المحافظات، كما أن تبعات أي مغامرةٍ أمنية وعسكرية من نظام الأسد، ستفتح الحرب على مصاريع كثيرة. ليجد النظام نفسه أمام وضع أشد اضطراباً؛ لأن شرر نيران السويداء ستحرق من حولها بمن في ذلك القرداحة مسقط رأس النظام.

مقالات ذات صلة

نظام الأسد يدعو للاستثمار ويتعهد بكسر الحصار الاقتصادي

صيف سوريا سيبدأ في أيار المقبل

إدانة أمريكية لاستهداف قواتها شرقي سوريا

شهيد مدني بقصف النظام على ريف حلب

مبادرة شبابية في حوران لإحياء القرار 2254

روسيا تعرقل عقد اجتماعات "الدستورية" السورية في جنيف